السبت، 28 سبتمبر 2013

ابطال كرداسة

  1. ابطال كرداسة

قوات الأمن تواصل حملاتها الأمنية الموسعة بمدينة كرداسة لضبط المتورطين في قتحام قسم كرداسة، وقتل 11 ضابطا، في أعقاب فض  اعتصامي «رابعة والنهضة»، الجيزة، 25 سبتمبر 2013.

لا يهابون الموت، يمتلكون من القوة، ما يجعلهم قادرين على تحمل المصاعب، وجوههم معفرة بالتراب، منهم من خرج ولا يعلم ماذا يخبئ لهم القدر، هل يعودون إلى منازلهم بعد انتهاء كل عملية، أو الوقوف لحماية مصر؟ اختصهم الرسول بأنهم خير أجناد الأرض، وهم فى رباط إلى يوم الدين، هؤلاء هم أبطال تحرير مدينة كرداسة من ضباط وجنود القوات المسلحة الشرطة.

«النهاردة فيه عمليه يا رجالة».. جملة كثيراً ما يسمعونها من قياداتهم، سواء فى الجيش والشرطة، أو ينتظرون إشارة عبر جهاز لاسلكى، بالتحرك نحو نقطة وهدف معين، هكذا هى حياتهم، يشاهدون الموت فى كل لحظة، يخرجون من منازلهم، وهم لا يعلمون هل يعودون، أم يصيبهم رصاص الغدر والإرهاب فى كل عملية يخرجون إليها.

مشاهد قتل الضباط داخل قسم شرطة كرداسة لم تغب عن أعينهم طرفة عين، كانوا ينتظرون تلك اللحظات، ليقدم المتهمين بين جناح العدالة، ليحاسبوا على جرائمهم، التى يرفضها الإسلام شكلاً وموضوعاً، إنهم أبطال تحرير كرداسة. «المصرى اليوم» حاورت الذين شاركوا فى تحرير القرية من أيدى الإرهابيين.

«الأسد» الذى سقط فى الميدان

استشهاد اللواء نبيل فرج خلال اقتحام كرداسة

سيظل فى قلوب المصريين حاضرا، غائبا عن دنيانا، متمتعا بلقاء ربه، شهيد يرزق، إنه قائد المعركة، الأسد الذى لم يهب الموت، أحد أبطال تحرير موقعة كرداسة، اللواء نبيل فرج، نائب مدير أمن الجيزة، شهيد رصاص الغدر والإرهاب. يقول عنه أحد زملائه، كان لا يهاب الموت، وكان سعيدا عندما علم بخروج المأمورية، لتحرير القرية، التى استشهد فيها زملاؤه، من ضباط وأمناء وجنود الشرطة، على أيدى العناصر الإجرامية والإرهابية، التى قامت باقتحام قسم الشرطة. يروى أحد الضباط الذين شاركوه أثناء دخول القرية، قائلا: «كان مهمة العملية، هى محاصرة القرية من ناحية المدخل الرئيسى للطريق الزراعى الذى يربط بين قرية ناهيا وكرداسة، وعندما وصلت القوات إلى نقطة التمركز، تواجد عدد محدود من وسائل الإعلام، لرصد عملية تحرير كرداسة»، ويضيف: «تقدم اللواء نبيل، ناحية بعض الإعلاميين ودار بينهم حوار قال فيه لأحد الصحفيين، انتم تبع إيه فردوا إحنا صحفيين، فطالبهم بالوقوف خلف القوات، وطالبهم بتوخى الحذر، وأن يكونوا خلف قوات الأمن، وفوجئنا بضرب نار شديد قادم من ناحية كرداسة وتحديدا من إحدى الفيلات الموجودة فى بداية القرية، ومن مدرسة خاصة أيضا، أثناء تمركز القوات بدأ الأمن يتعامل مع تلك العناصر المسلحة، ليسقط اللواء نبيل متأثرا بإصابته بطلق نارى فى الجنب». يؤكد: كان شهيدا متفانيا فى عمله، كان يحث الضباط والجنود على التقدم، ويقول لهم، انتم أسود ورجالة، لا تهابوا الموت، وإن كتب عليكم الموت ستلقون الله وأنتم شهداء، كان يحبهم الجميع من عسكرى وصولا إلى أعلى رتبة فى وزارة الداخلية، فهو معروف عنه الانضباط والحزم فى العمل. العسكرى محمود أحد الجنود الذين كانوا يرافقون اللواء نبيل فراج يقول «خدمت معه حتى الآن سنة ونصف، كان يعاملنى أحسن معاملة، وكان يعتبرنى أحد إخوته، وكان على علاقة بأهلى، ولا أنسى يوم أن طلب منى أن يحدث والدتى لتهنئتها بعيد الفطر الماضى، كان رجلا كريما يعطف على الفقراء دائما، وكنت أقوله يا باشا انت ربنا هيكرمك، ويارب خدمتى كلها تكون معاك».

«شحاتة» يروى مشاهد الدم والنار بعد نجاته من «مذبحة القسم»

أسامة شحاتة مندوب الشرطة

يروى أسامه شحاتة، مندوب شرطة بقسم كرداسة، الذى نجا من المذبحة التى شهدها القسم لـ«المصرى اليوم» تفاصيل ساعات الموت والرعب، التى شاهدها وقت عملية اقتحام القسم، على أيدى الإرهابيين، عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة، ودموع الحزن لا تفارق عينيه، قائلا: «أنا كنت شغال فى الليلة التى شهدت واقعة اقتحام القسم، وكنت سهران طول الليل مع الرائد هشام شيتا، معاون مباحث القسم، ظل يحدثنا عن جهوده فى العمل، وعلاقته الطيبة مع بعض أهالى القرية، ودخوله فى جلسات صلح بين أهالى القرية، كان محبوباً جداً، وكان مكتبه عبارة عن قعده لحل المشاكل الموجودة فى القرية. ويضيف: «فى يوم المذبحة وصلتنا إخبارية من المديرية أن فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، هيكون النهاردة، وأنا كنت خلصت شغلى على الساعة 8 صباحاً، وأستأذنت من المأمور والمعاون إنى أروح البيت، وكان فى جماعة من إخوان القرية، قعدوا يضربوا طوب على القسم، ورد الأمن بقنابل غاز مسيل للدموع وانتهى الأمر. ويواصل: «مشيت من القسم، وقولت دى شوية اشتباكات عادية وهتخلص، لكن وأنا ماشى لقيت ناس بتجرى ناحية القسم، وبيقولوا إن القسم بيضرب، وقفت اتصل بزملائى مفيش أى حد رد عليا». ويصمت «شحاته» قليلاً وكأنه يتذكر لحظات الحيرة التى بدا عليها فى تلك اللحظة، بسبب تفكيره فى العودة للقسم من عدمه، لكنه استدرك الأمر سريعاً. «قررت أرجع تانى، وسمعت صوت ضرب نار شديد، وأصوات قذائف بتضرب شديدة، وسيارات الشرطة والمدرعات محترقة أمام القسم». إفلات مندوب الشرطة من أيدى الإرهابيين، لم يكن بالأمر اليسير، حيث يقول: «فى واحد من أهالى القرية عندما شاهدنى، طلب من أن اختفى من القرية، لأن الوضع خطير، وممكن أموت فى أى لحظة، وركبونى العربية الخاصة بهم، وخرجونى خارج القرية، وبعدها شفت الفيديوهات اللى انتشرت على النت، وعرضت فى جميع القنوات التليفزيونية، وكانت بالنسبة لى صدمة كبيرة، شعرت بأن أمى وأبويه وأولادى ماتوا، فى اليوم ده». وتابع: «كانوا معايا لحظة بلحظة، وقولت بينِ وبين نفسى، والله ماهعرف للنوم طعم، وأقسمت أنى حقهم مش هيضيع، ولازم أجيب حق زملائى»، يتوقف لحظات عن الحديث وتنغمر عيونه بالدموع على فراق زملائه، ثم يكمل: «ضحكاتهم ومعاملاتهم معايا ومع أهالى القرية، ماكنتش بتفارق عنيه، أنا كنت أجلس فى القسم أكثر ما كنت أتواجد فى منزلى». ويبرر مندوب الشرطة عدم استعداد قوة القسم لوقوع مثل هذه الأحداث. «قتلوا بدماء باردة، وأخذوهم غدراً وخيانة، ومشاهد قتلهم لاتفارقنى». وعن لحظة دخول قوات الأمن للمدينة يقول: «كنت أنتظر تلك اللحظة، وعرفت بأن المأمورية ستذهب إلى كرداسة، وشعرت أنى استرديت أرضى حقى، وانتظر سقوط هؤلاء الإرهابيين واحد تلو الآخر، والقبض على المتهمين الحقيقيين، أنا انتظرت لحظة الثأر بفارغ الصبر، لأنى شفت زملائى بيموتوا وماقدرتش أدافع عنهم».

محمود: «نطقت الشهادة يوم العملية أكتر من خمسين مرة»

الجندى محمود مصطفى

«استيقظنا يوم العملية فجرا، وحضرنا طابور الصباح، وألقى قائد الكتيبة كلمة تحدث خلالها عن فضل الشهادة فى سبيل الله، وأن جنود مصر خير أجناد الأرض».. رسالة فهم الجندى محمود مصطفى وزملاؤه بوجود عملية جديدة، وبالفعل لم تمر سوى دقائق معدودة حتى قال قائد الكتيبة «النهارده فيه عملية يا رجالة.. وإن شاء الله ترجعوا منصورين». «المصرى اليوم» تذكرت مع «محمود» لحظات الانطلاق لتنفيذ المهمة، التى بدأت من نقطة التمركز، حيث يرابط معهم زملاؤهم من سلاح الصاعقة، وكبار الضباط والقيادات المشاركة فى تحرير قرية كرداسة. صعوبة المهمة كانت سببا رئيسيا فى دخول «محمود» فى أحاديث جانبية خافتة مع زملائه من جنود القوات المسلحة، فى محاولة للتخلص من التوتر والقلق: «هى بندقيتك نوعها إيه يا دفعة، مصرى ولا مستورد»، فيرد عليه زميله، وعلى وجهه ملامح التفاؤل «مصرى تيوانى.. بس بتزعل». تنتهى الأحاديث الجانبية سريعا، ليسترجع «محمود» اللحظات التى سبقت تحرك القوات «مكنتش عارف العملية فين بالظبط، وقبل موعد التحرك بساعة دخل قائد العملية، وشرح الخطة، وعرفنا أنها كرداسة، وكل اللى أعرفه عن كرداسة موضوع اقتحام القسم، وقتل الضباط، وأن القرية خالية من وجود الشرطة والجيش، عملية التسليح هذه المرة كانت أصعب، لأن القوات كان لديها مخزون من السلاح يستمر لمدة ثلاثة ليال، وده كان دليل على أن العملية صعبة جدا، لكن اللى هون علينا إن الشهادة فى سبيل الله حلم أى شخص». مجرد التفكير فى عدم تنفيذ الأمر لم يخطرعلى بال «محمود» ولو لثانية واحدة «إحنا فى ميرى، وبنقول عدى أيام الخدمة على خير»، ويكمل: «فى يوم العملية، اتصلت بوالدتى علشان أطمنها عليا، وقولتلها النهارده فيه عملية فى كرداسة، ادعيلى يا أمى، فردت عليا منصورين يا ابنى، ويا رب ترجع بالسلامة، ومتحرقش قلبى عليك يا ضنايا». الاتصال التالى من «محمود» كان من نصيب خطيبته وأصحابه، لأنه على حد قوله «محدش ضامن عمره». صلاة قضاء الحاجة، من أجل أن يعيده هو وأصحابه المولى عز وجل بالسلامة، أخر شىء فعله قبل بدء العملية، حيث يقول: «وصلنا القرية فى السادسة صباحا، وأنا كنت مشاركا مع القوة، التى دخلت القرية.

«محمود وعلى» من قرية واحدة فرقتهما الحياة وجمعتهما «كرداسة»

المجندان على ومحمود أثناء الحملة

يقفان على أطراف مدينة كرداسة، يرتديان ملابس تضاعف شعورهما، بصعوبة المهمة، يحملان أسلحتهما، على كتفيهما، يدخلان إلى القرية، يقفان مرابطان، فى نقطة ارتكاز تم تحديدها من بداية المهمة، تدخل وتخرج المدرعات والمجنزرات إلى القرية، ورغم ذلك يرابطان فى مكانهما.. هكذا بدأت حياة الجنديان «محمود» و«على» ابنى إحدى قرى سوهاج، لم يكن يعرفان بعض، فرقتهما ظروف الحياة، وجمعتهما عملية تطهير كرداسة، حيث شاركا ضمن قوات الجيش التى دعمت الشرطة خلال عملية القبض على المتهمين باقتحام قسم شرطة المدينة وقتل الضباط، عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة. عملية التطهير التى استمرت أسبوعا كاملا، بمشاركة أفراد من قوات الصاعقة، والعمليات الخاصة، جعلت ابنى المحافظة الواحدة، يقضيان أياما من فترة خدمتهما فى القوات المسلحة جنبا إلى جنب. يسترجع «محمود» لحظة دخوله المدينة: «عندما دخلت المدينة، وجدت سحابة من الدخان فى السماء، ووجدت على بجوارى فسألته إنت من أى بلد، فرد على من سوهاج، فرديت «كويس علشان لو مت يبقى فى حد من سوهاج بجوارى» ويبلغ أهلى. ويواصل: «الجيش علمنا حاجات كتير، وهو فعلا مصنع الرجال، وتعلمنا أشياء كتيره منه، هتعود علينا بعد انتهاء الخدمة». الهدف الذى خرج من أجله «على» إلى المدينة كما أخبره قائده، هو القبض على الإرهابيين، والثأر للضباط الذين استشهدوا فى قسم الشرطة، خلال أحداث العنف، دون أن يرتكبوا ذنب. ويضيف:«كل الناس كانت فرحانة وإحنا داخلين قرية، ووزعوا علينا بلح وميه، والناس كانت بتهتف لينا الجيش والشرطة والشعب إيد واحدة»، وهما نفسهم كرداسة ترجع زى زمان. يتذكر«على» لحظات ما قبل استشهاد اللواء نبيل فراج « كان بيتحدث لضباط الجيش، وكان يقول الواحد نفسه يموت شهيد، وكانت كلماته تثلج صدرى، وتشعرنى بالأمان كلما تقدمت القوات، كنت أقول فى نفسى إزاى رجل بهذا السن يتقدم القوات ولايهاب الموت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كيفية صلاة النبي

كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي فرض الصلاة على عباده وأمرهم بإقامتها وحسن أدائها وعلق النجاح والفلاح بالخشوع ...