أنا خائف!
لماذا لا أخاف ؟!
والخوف إحساس فطري !
جعله الله -سبحانه وتعالى- في الإنسان وفي الحيوان؛ حتى تزداد كفاءته في مواجهة
المواقف الصعبة ويعينه الخوف على قتال عدوه أو على مواجهته أو على الفرار منه –
على أقل تقدير- ويحمله على حسن التصرف في مواجهة الأخطار.
لماذا لا أخاف ؟!
والخوف غريزة تولد مع الطفل؛ تربيه على ألا يسقط من السرير -مثلاً- أو لا يسقط في
الماء أو لا يقترب من الحار أو النار حتى لا تكويه أو أن يحذر من عدوه ويباعده.
ومالي لا أخاف؟!
وقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- الخوف الطبعي عن نبي من أعظم أنبيائه ورسول من خلاصة
رسله- عليهم جميعاً الصلاة والسلام-، بل من أولي العزم منهم؛ وهو موسى.
إن مما يلفت النظر في سيرته وقصصه في القرآن الكريم؛ أن الله تعالى ذكر الخوف عنه
في مواضع عدة.
فقد قتل قبطياً؛ فأصبح في المدينة خائفاً يترقب.
ثم جاء من الغد وقد علم بخبر المؤامرة عليه وأن الملأ يأتمرون به ليقتلوه؛ فخرج من
المدينة خائفاً يترقب.
ثم وصل إلى مدين وقضى الأجل وسار بأهله وآنس من جانب الطور ناراً وسمع النداء ورأى
النار؛ فولى مدبراً ولم يعقب خائفاً؛ فقال الله سبحانه وتعالى له:
(أَقْبِلْ وَلا تَخَف )[القصص:31].
(يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ )[النمل:
من الآية10].
ثم بعثه الله -سبحانه وتعالى- هو وهارون إلى فرعون وهامان؛ فقال:
(قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ* وَيَضِيقُ صَدْرِي
وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ)[الشعراء:12-13].
وقال مع هارون:
(قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ
يَطْغَى)[طـه:45].
فقال الله سبحانه وتعالى:
(قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) [طـه:46].
ولما وصل إلى فرعون وبلَّغه الدعوةكان من ضمن ما قال له:
(فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً
وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء:21].
وهكذا نجد أن موسى عليه السلام ذكر الله -سبحانه وتعالى- عنه الخوف .. هذا الخوف
الفطري الغريزي الذي هو محمود في الإنسان لا يعاب به ولا يذم؛
بل إن صياغة الحدث يدل على أن هذا الخوف بعفويته وفطريته كان عاقبته خيراً.
(فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي
حُكْماً) [ الشعراء:21].
ولذلك يقول بعض العلماء:
إن الإنسان خائف بالطبع، كما يقولون: مدني بالطبع.
فمن الغرائز الفطرية الموجودة عند كل إنسان غريزة الخوف.
يقول الشاعر:
لما تُؤذن الدنيا به من صروفها |
|
|
|
هذا ينم عن خوف الشاعر أكثر مما ينم عن خوف الطفل؛ لأن بكاء الطفل لا
ينم بالضرورة عن هذا الخوف الذي أشار إليه الشاعر، وإنما هذا يعبر عن توقعه وتصوره
وتحليله لهذا الحدث.
فالخوف إذا كان في حدود الاعتدال، فهو في الإنسان محمود؛ بل هو من النقص الفطري،
الذي لا يكتمل المرءُ إلا به، مثله في ذلك مثل أشياء كثيرة؛ كالنوم والأكل والشرب
والنكاح, التي هي وجه آخر للكمال البشري؛ تتجلى فيه صفة الخالق المبدع في قهر
الأشياء وتذليلها.
وقد سبق أن تحدثت عن موضوع النوم, فالنوم نقص في ذاته، ولذلك الله -سبحانه وتعالى-
قال:(لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) [البقرة:255].
لكن لو وُجد إنسان من الناس لا ينام؛ لكان هذا نقصاً يستحق من أجله أن يراجع
الأطباء، وأن يبحث عن الشفاء، وربما مات.
حتى إن العلماء قالوا: إن الإنسان لا يستطيع أن يمكث أكثر من مدة معينة دون نوم،
وإلا يموت.
بعضهم قال: ثمانية عشر يوماً.
وبعضهم قال: عشرين يوماً لو مكثها متواصلة دون أن ينام مطلقاً؛ فلابد أن يموت.
لماذا الخوف نقص؟
لأن الخوف هو نتيجة أمرين أو صفتين في الإنسان:
الصفة الأولى:
هي الجهل؛ لأن الإنسان يخاف من الأشياء التي يجهلها (الأشياء التي لا يعرفها).
ولذلك تجدون أن الفلاح في مزرعته تعوَّد على نمط معين من الحرث والزرع والآلات؛ فلو أوتي لـه بما هو أجود منها وأحسن وأفضل وأحمد عاقبة وأكثر اقتصاداً؛ فإنه لا يتقبلها بيسر وسهولة وذلك لأنه لا يعرفها.
ومثله التاجر الذي تعوَّد على نمط من البيع، وأسلوب في البيع، وبضاعة خاصة, حتى لو كان يبيع الأشياء التافهة, وحتى لو كان لا يستطيع أن يستخرج قيمة إيجار الدكان من هذا، إلا أنه مع ذلك يستوحش من الأشياء التي لا يعرفها، ويقف منها موقفاً سلبياً.
وهكذا كان الناس الذين لم تصل إليهم أنوار الرسالة، أو لم يتقبلوها، كانوا يخافون من الأشياء المحيطة بهم، فربما ترتب على هذا أن يتوجهوا إليــــــــها بالعــــبادة؛ فكان منهم - مثلاً -:
من يعبد الشمس.
ومنهم من يعبد القمر.
ومنهم من يعبد النار.
ومنهم من يعبد النجوم كالصائبة.
وغير ذلك من الأشياء؛ التي تدل على أن هؤلاء القوم تولد عندهم خوف نتيجة الجهل، ولم يكن عندهم نور الهداية؛ فعبدوا هذه الأشياء التي يخافون منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق