السبت، 28 سبتمبر 2013

الداعية الحي

الداعية الحي

إنه الداعية المتحرك في كل صوب ، المتقن لدعوته في كل ثوب ، إن كان في بيته فنعم العائل والمربي ، فإن نزل الشارع وخالط الناس ، وسعهم بدعوته ، فإن ركب وسيلة مواصلات تناثرت بركات دعوته على من حوله من الركب ، إذا دخل مصلحة لم يخرج منها إلا بغنيمة دعوية ، نصيحة يسار بها موظفاً ، أو موعظة يسمعها لسافرة ، أو كلمة معروف يذكر بها من يقف معه في الطابور ، إنه المبارك في حله وترحاله ، كالغيث أينما وقع نفع :
فلا مزنه ودقت ودقها *** ولا أرضاً أبقلت أبقالها
قلب عامر وعقل يثابر ، تقي حفي ، نقي أبي ، نفعه متعد ، وخيره عام ، يتجذر هداه في كل أرض أقام فيها ، تنداح جحافل وعظه كالسيل العرم ، تذهب بكل سد منيع جاثم على قلوب الغافلين ، إذا قال أسمع ، وإذا وعظ أخضع ، دؤوب الخطو ، بدهي التصرف ، إذا اعترضته العوائق نظر إليها شزراً ، وقال : أقبلي يا صعاب ، أو لا تكوني ، محمدي الخلق ، صِدّيقيّ (1) الإيمان ، عُمَريّ الشكيمة ، عثمانيّ الحياء ، علويّ الصلابة ، فَضليي العبرة ، حنبلي الإمامة ، تيموي الثبات .
إن مظهره متناسق مع وظيفته السرمدية ، هندام نظيف ومتواضع ، وهيئة تقية ، وإخبات غير متكلف ، إذا رآه الخلق ذكروا الله تعالى .
وهو داعية متعال على السفاسف ، إنه لا يساوم الباعة ويلح في خفض الأسعار ، ولا يأنف من إماطة الأذى عن الطريق ، يبتسم في وجوه الناس أجمعين ، ويحفظ حشمته من نزق الطائشين ، وسمود العابثين .
مستعد للدعوة في كل ميدان ، إذا فتشت حقيبته وجدتها مليئة بالحلوى والكتيبات والهدايا الصغيرة غير المكلفة . يصطحب معه في سيره أشرطة الدعاة والخطباء والوعاظ ، بل وأشرطة القرآن الكريم لمشاهير القراء . يحمل معه العطر والطيب دوماً . إنها أسلحة الداعية الحي .
يستخدم الحلوى في التعارف ، والكتيبات في التأليف والوعظ والإرشاد ، والهدايا مع دعوة لحضور محاضرة أو خطبة ، والأشرطة لتكون البديل عن شريط غناء أقنع صاحبه بهجره ، والطيب لإزالة حزازات النفوس ، وتوجس الخائفين من مظهر الدعاة .
فإذا ما رأيته أقبل بوجهه الضحوك ، وسلامه الرونق ( ألفيت كل تميمة لا تنفع )
لقد وقع القلب في شرك هذا الداعية ، واشتبكت القلوب المؤمنة وائتلفت (2) ، والتقت العيون والمقل ، فإذا أدمعُ الخوف من الله تتعرف على نفسها ، حتى إذا ما سكب ذلك الداعية الحي كلمات الود والمحبة في الله ، والتقت إرادة الله بالهداية ، أبصرت الهوى صريعاً في ساحته ، والقلب تتهاوى شهواته وغرائزه أمام هذا السيل الدافق من فيض الإيمان والتقى ، وكأنك بالشيطان رابض ثمة ينادي بالويل والثبور : ويلي ويلي ، قد اختطفه فلان الصالح مني !.
يعتمد الداعية الحيّ على كل الإمكانات المتاحة , ويستغل الظروف لصالحه . لا يلعن الظلام , ولكنه يشارك في إيقاد شمعة , إذا قصرت به وسيلة نزل إلى التي دونها , حتى لو لم يجد إلا لسانه أو الإشارة باليدين لا ستعملهما متوكلاً على الله الهادي إلى صراطٍ مستقيم .
إن الداعية الحي يترقب الفرص , ويسعى إليها ولا ينتظر مجيئها إليه , يباغت المواقف , ولا يكون هو رد فعل لها , لا يترك فرصة لما يسميه الناس الصدف أو الفجأة , بل تراه بدهياً مستعداً لكل موقف بما يناسبه .
من سمات الداعية الحي : جدية أنه يعمل في صمت , ويؤثر العمل الدؤوب على الثرثرة والتفيهق , ليس بالمنان ولا بالمعجب , شعاره بعد سماع الأمر من القادة : علم وسينفذ إن شاء الله , وإذا سئل عن تكليف أنيط به, قال : التنفيذ جارٍ بعون الله , فإذا أتم مهامه . أبلغ المسؤول في صمت : تم التنفيذ والحمد لله ..إنها الجندية في أرقى صورها .
إن الداعية الحي متحرك لدينه , سواء كان مدرساً أو طالباً , مهندساً أو طبيباً , عالماً أو متعلماً , سائقاً أو راكباً , حالاً أو مرتحلاً , أميراً أو مأموراً , رئيساً أو مرؤوساً , زوجاً كان أو عزباً , فقيراً كان أو غنياً , صحيحاً كان أو سقيماً , مبصراً كان أو أعمى , سليم الأعضاء أو معوقاً , في الشارع أو في البيت أو في الجامعة أو في المدرسة أو في الدكان أو في الحافلة أو في الشارع أو في أي مصلحة حكومية , بلسانه ويده ,بنفسه وماله بكله يتحرك للدين وينافح عنه , لسان حاله : { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام:162، 163) وشعاره {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف:108)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كيفية صلاة النبي

كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي فرض الصلاة على عباده وأمرهم بإقامتها وحسن أدائها وعلق النجاح والفلاح بالخشوع ...