قال
اللَّه تعالى : ] وَمِنَ
النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ
عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * وَإِذَا
تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ
فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [ [ لقمان :
6 ، 7 ] .
جاء
في كتاب (( إغاثة اللهفان ))([1])
لابن القيم رحمه اللَّه ما مختصره :
قال
ابن القيم رحمه اللَّه :
ومن مكايد عدو اللَّه ( إبليس )
ومصايده ، التي كاد بها من قل نصيـبه من العلم والعقل والدين ، وصاد بها
قلوب الجاهلين والمبطلين : سماع المكاء والتصدية([2])
والغناء بالآلات المحرمة ، الذي يصدُّ القلوب عن القرآن ، ويجعلها عاكفة
على الفسوق والعصيان . فهو قرآن الشيطان ، والحجاب الكثيف عن
الرحمن ، وهو رقية اللواط والزنى ، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه
غاية المنى ، كاد به الشيطان النفوس المبطلة ، وحسنه لها مكرًا منه
وغرورًا ، وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه فقبلت وحيه واتخذت لأجله القرآن
مهجورًا .
قال
الإمام أبو بكر الطرطوشي في خطبة كتابه ، في تحريم السماع : الحمد لله رب
العالمين ...
1-
أما مالك :
فإنه نهى عن الغناء ، عن استماعه ،
وقال : إذا اشترى جارية فوجدها مغنية ! كان لها أن يردها بالعيـب .
وسئل
مالك رحمه اللَّه عمَّا يرخص فيه أهل المدينة من الغناء ؟ فقال : إنما
يفعله عندنا الفساق .
2-
قال :
وأما
أبو حنيفة :
فإنه يكره الغناء ، ويجعله من
الذنوب .
وكذلك
مذهب أهل الكوفة : سفيان ، وحماد ، وإبراهيم ، والشعبـي وغيرهم
لا اختلاف بـينهم في ذلك ، ولا نعلم خلافًا أيضًا بـين أهل البصرة في المنع
منه .
قلت :
مذهب أبـي حنيفة في ذلك من أشد
المذاهب ، وقوله فيه أغلظ الأقوال ، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي
كلها ، كالمزمار ، والدف ، حتى الضرب بالقضيـب وصرحوا بأنه
معصية ، يوجب الفسق ، وترد به الشهادة ، وأبلغ من ذلك أنهم
قالوا : إن السماع فسق ، والتلذذ به كفر ، هذا لفظهم ورووا حديثًا
لا يصح رفعه .
قالوا : ويجب عليه أن يجتهد في ألا يسمعه إذا مر به ،
أو كان في جواره .
وقال
أبو يوسف : في دار يسمع منها صوت
المعازف والملاهي : أدخل عليهم بغير إذنهم ، لأن النهي عن المنكر
فرض ، فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض .
قالوا : ويتقدم إليه الإمام إذا سمع ذلك من داره ،
فإن أصرَّ حبسه أو ضربه سياطًا ، وإن شاء أزعجه عن داره([3]) .
3-
وأما
الشافعي :
فقال في كتاب (( أدب القضاء )) : إن الغناء لهو مكروه ، يشبه الباطل
والمحال ، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته .
وصرح
أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه ، وأنكروا على من نسب إليه حله ، كالقاضي
أبـي الطيـب الطبري ، والشيخ أبـي إسحاق والصباغ .
قال
الشيخ أبو إسحاق في (( التنبيه )) : ولا تصح - يعني الإجارة([4]) -
على منفعة محرمة ، كالغناء والزَّمر ، وحمل الخمر ، ولم يذكر فيه
خلافًا .
وقال
في (( المهذب )) : ولا يجوز
على المنافع المحرمة ، لأنه محرم ، فلا يجوز أخذ العوض عنه كالميتة
والدم .
فقد
تضمن كلام الشيخ أمورًا :
أحدها : أن
منفعة الغناء بمجرده محرمة .
الثاني : أن
الاستئجار عليها باطل .
الثالث : أن
أكل المال به أكل مال بالباطل ، بمنزلة أكله عوضًا عن الميتة والدم .
الرابع :
ألا يجوز للرجل بذل ماله للمغني ، ويحرم عليه ذلك ، فإنه بذل مال في
مقابلة محرم ، وإن بذله في ذلك كبذله في مقابلة الدم والميتة .
الخامس :
أن الزَّمر حرام ، وإذا كان الزمر - الذي هو أخف آلات اللهو - حرامًا فكيف بما
هو أشد منه ؟ كالعود ، والطنبور ، واليراع . ولا ينبغي لمن شم
رائحة العلم أن يتوقف في تحريم ذلك ، فأقل ما فيه : أنه شعار الفساق
وشاربـي الخمور .
وكذلك
قال أبو زكريا النووي في روضته :
القسم
الثاني :
أن يغني بـبعض آلات الغناء ، بما هو من شعار شاربـي الخمر ، وهو مطرب
كالطنبور([5]) والعود ، والصنج([6])
وسائر المعازف ، والأوتار . يحرم استعماله واستماعه . قال :
وفي اليراع وجهان : صحح البغوي التحريم .
ثم
ذكر عن الغزالي الجواز ، قال : والصحيح تحريم اليراع وهو
الشَّبَّابة .
وقد
صنف أبو القاسم الدولعي كتابًا في تحريم اليراع .
وقد
حكى أبو عمرو بن الصلاح الإجماع على تحريم السماع ، الذي جمع الدف
والشبابة ، والغناء ، فقال في (( فتاويه )) :
وأما
إباحة هذا السماع وتحليله ، فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا
اجتمعت ، فاستماع ذلك حرام ، عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء
المسلمين . ولم يثبت عن أحد - ممن يعتد بقوله في الإجماع والاختلاف - أنه أباح
هذا السماع ، والخلاف المنقول عن بعض أصحاب الشافعي إنما نقل في الشبابة
منفردة ، والدف منفردًا ، فمن لا يحصِّل ، ولا يتأمل ، ربما
اعتقد خلافًا بـين الشافعيـين في هذا السماع الجامع هذه الملاهي ، وذلك وهم
بـيِّن من الصائر إليه تنادي عليه أدلة الشرع والعقل ، مع أنه ليس كل خلاف
يُستروح إليه ، ويعتمد عليه ، ومن تتبع ما اختلف فيه العلماء ، وأخذ
بالرخص من أقاويلهم ، تزندق أو كاد . قال : وقولهم في السماع
المذكور : إنه من القربات والطاعات قول مخالف لإجماع المسلمين ، ومن خالف
إجماعهم فعليه ما في قوله تعالى : ] وَمَن
يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ
سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ
مَصِيرًا [ [النساء :
115].
وأطال
الكلام في الرد على هاتين الطائفتين اللتين هما بلاء الإسلام منهما ، المحللون
لما حرم اللَّه ، والمتقربون إلى اللَّه بما يـباعدهم عنه .
والشافعي
وقدماء أصحابه ، والعارفون بمذهبه : من أغلظ الناس قولاً في ذلك .
وقد
تواتر عن الشافعي أنه قال : خلفت بـبغداد شيئًا أحدثته الزنادقة ، يسمونه
التغبـير - يعني الضرب بالقضيـب على المخدة من الجلود حتى يطير الغبار ، وكان
الصوفية يفعلون ذلك مع إنشادهم الأشعار الملحنة - ، يصدون به الناس عن
القرآن .
فإذا
كان هذا قوله في التغبير وتعليله : أنه
يصد عن القرآن ، وهو شعر يزهد في الدنيا ، يغني به مغن ، فيضرب بعض
الحاضرين بقضيـب على نطع - يعني بساط من الأديم أي الجلد - أو مخدة على توقيع
غناه ، فليت شعري ما يقول في سماع التغبـير عنده كتفلة في بحر ، قد اشتمل
على كل مفسدة ، وجمع كل محرم ، فاللَّه بـين دينه وبـين كل متعلم
مفتون ، وعابد جاهل .
قال
سفيان بن عيـينة : كان يقال : احذروا فتنة العالم الفاجر ،
والعابد الجاهل ، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون .
ومن
تأمل الفساد الداخل على الأمة وجده من هذين المفتونين .
فصــــــل
4-
وأما
مذهب الإمام أحمد ،
فقال عبد اللَّه ابنه : سـألت أبـي
عن الغناء ؟ فقال : الغناء ينبت النفاق في القلب ولا يعجبني . ثم
ذكر قول مالك : إنما يفعله عندنا الفساق .
قال
أحمد : وقال سليمان التيمي : لو أخذت برخصة كل عالم ، أو زلة كل
عالم ، اجتمع فيك الشر كله .
ونص
على كسر آلات اللهو كالطنبور وغيره ، إذا رآها مكشوفة ، وأمكنه كسرها . وعنه
في كسرها إذا كانت مغطاة تحت ثيابه وعلم بها روايتان منصوصتان ، ونص في أيتام
ورثوا جارية مغنية ، وأرادوا بـيعها ، فقال : لا تباع إلا على أنها
ساذجة ، فقالوا : إذا بـيعت مغنية ساوت عشرين ألفًا أو نحوها ، وإذا
بـيعت ساذجة لا تساوي ألفين ، فقال : لا تباع إلا على أنها ساذجة .
ولو
كانت منفعة الغناء مباحة لما فوت هذا المال على الأيتام .
فصل : وأما سماعه من المرأة الأجنبـية ، أو
الأمرد : فمن أعظم المحرمات وأشدها فسادًا للدين :
قال
الشافعي رحمه اللَّه :
وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو
سفيه ترد شهادته ، وأغلظ القول فيه ، وقال : هو دياثة ، فمن
فعل ذلك كان دَيُّوثًا .
قال
القاضي أبو الطيـب :
وإنما جعل صاحبها سفيهًا ؛ لأنه دعا
الناس إلى الباطل ، ومن دعا الناس إلى الباطل كان سفيهًا فاسقًا .
قال :
وكان الشافعي يكره التغبـير ، وهو
الطقطقة بالقضيـب ، ويقول : وضعته الزنادقة ليشغلوا به عن القرآن .
قال :
وأما العود والطنبور وسائر الملاهي فحرام
ومستمعه فاسق .
أسماء
الغناء في القرآن والسنة :
هذا
السماع الشيطاني المضاد للسماع الرحماني . له في الشرع بضعة
عشر اسمًا : اللهو ، واللغو،
والباطل، والزور، والمكاء ، والتصدية، ورقية الزنى ، وقرآن
الشيطان ، ومنبت النفاق ، والصوت الأحمق ، والصوت الفاجر ،
وصوت الشيطان ، ومزمور الشيطان ، والسمود .
*
* *
فصــــــل
فالاسم
الأول : اللهو . قال تعالى :
] وَمِنَ
النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ
عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ
مُّهِينٌ @ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن
لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ [ [ لقمان :
6 ، 7 ] .
قال
الواحدي وغيره : أكثر المفسرين على أن
المراد بلهو الحديث : الغناء .
وعن
ابن عباس في قوله تعالى :
] وَمِنَ
النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [ قال : هو الرجل
يشتري الجارية تغنيه ليلاً ونهارًا .
قال
الواحدي : وهذه الآية على هذا التفسير
تحرم الغناء ، ثم ذكر كلام الشافعي في رد الشهادة بإعلان الغناء .
قال :
وأما غناء القينات ( يعني : الإماء
والمغنيات ) فذلك أشد ما في الباب ، وذلك لكثرة الوعيد الوارد فيه وهو ما روي
أن النبـي (صلي
الله عليه وسلم) قال :
(( من استمع إلى قينة
صب في أذنيه الآنك يوم القيامة ))([7]) الآنك : الرصاص المذاب .
إذا
عرفت هذا ، فأهل الغناء ومستمعوه لهم نصيـب من هذا الذم ، بحسب اشتغالهم
بالغناء عن القرآن ، وإن لم ينالوا جميعه ، فإن الآيات ذمت من استبدل لهو
الحديث بالقرآن ليضل عن سبـيل اللَّه بغير علم ويتخذها هزوا ، وإذا تتلى عليه
آيات القرآن ولى مستكبرًا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرًا وهو الثقل
والصمم ، وإذا علم من آياتنا شيئًا استهزأ بها ، فمجموع هذا لا يقع إلا
من أعظم الناس كفرًا ، وإن وقع بعضه للمغنين ومستمعيهم ، فلهم حصة ونصيـب
من هذا الذم .
يوضحه
أنك لا تجد أحدًا عُنِيَ بالغناء وسماع
آلاته ، إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى ، علمًا وعملاً ، وفيه رغبة عن
استماع القرآن إلى استماع الغناء ، بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن
عدل عن هذا إلى ذلك ، وثقل عليه سماع القرآن ، وربما حمله الحال على أن
يُسكت القارئ ويستطيل قراءته ، ويستزيد المغني ويستقصر نوبته ، وأقل ما
في هذا : أن يناله نصيـب وافر من هذا الذم ، إن لم يحظ به جميعه .
والكلام
في هذا مع من في قلبه بعض حياة يُحس
بها ، فأما من مات قلبه وعظمت فتنته ، فقد سد على نفسه طريق النصيحة
] وَمَن
يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَـئِكَ
الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا
خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [ [ المائدة :
41 ] .
*
* *
فصــــــل
الاسم
الثاني والثالث : الزور ، اللغو . قال تعالى : ] وَالَّذِينَ
لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا
كِرَامًا [ [ الفرقان :
72 ] .
قال
محمد ابن الحنفية : الزور
هاهنا : الغناء . وقاله ليث عن مجاهد . وقال الكلبي :
لا يحضرون مجالس الباطل .
واللغو
في اللغة : كل ما يلغى ويطرح ، والمعنى : لا يحضرون مجالس
الباطل ، وإذا مروا بكل ما يُلغى من قول وعمل ، أكرموا أنفسهم أن يقفوا
عليه ، أو يميلوا إليه ، ويدخل في هذا : أعياد المشركين ، كما
فسرها به السلف ، والغناء وأنواع الباطل كلها .
قال
الزجاج : لا يجالسون أهل المعاصي ،
ولا يمالئونهم - أي يساعدونهم ويعينونهم - عليها ومروا مر الكرام الذين لا يرضون
باللغو ، لأنهم يكرمون أنفسهم عن الدخول فيه والاختلاط بأهله .
وقد
روى أن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه مر بلهو فأعرض عنه ،
فقال رسول اللَّه r : (( إن أصبح ابن مسعود
لكريمًا ))([8]) .
وقد
أثنى اللَّه سبحانه على من أعرض عن اللغو إذا سمعه بقوله : ] وَإِذَا
سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ
أَعْمَالُكُمْ [ [ القصص :
55 ] .
وهذه
الآية وإن كان سبـب نزولها خاصًا ،
فمعناها عام ، متناول لكل من سمع لغوًا فأعرض عنه ، وقال بلسانه أو بقلبه
لأصحابه : ] لَنَا
أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ [ وتأمل كيف قال
سبحانه : ] لاَ
يَشْهَدُونَ الزُّورَ [ ولم يقل :
بالزور ، لأن ] يَشْهَدُونَ [ بمعنى :
يحضرون ، فمدحهم على ترك حضور مجالس
الزور فكيف بالتكلم به وفعله ؟ والغناء من أعظم الزور ، والزور :
يقال على الكلام الباطل وعلى العمل الباطل ، وعلى العين نفسها .
*
* *
فصــل
الاسم
الرابع : الباطل . والباطل : ضد
الحق ، يراد به المعدوم الذي لا وجود له ، والموجود الذي مضرة وجوده أكثر
من منفعته ، فمن الأول : قول الموحد : كل إله سوى اللَّه
باطل ، ومن الثاني قوله : السحر باطل ، والكفر باطل ، قال
تعالى : ] وَقُلْ
جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [ [ الإسراء :
81 ] .
فالباطل
إما معدوم لا وجود له ، وإما موجود لا نفع له . فالكفر والفسوق والعصيان ، والسحر والغناء
واستماع الملاهي ، كلها من النوع الثاني .
وقال
رجل لابن عباس رضي اللَّه عنهما : ما تقول في الغناء أحلال هو أم حرام ؟
فقال : لا أقول حرامًا إلا ما في كتاب اللَّه ، فقال : أفحلال
هو ؟ فقال : ولا أقول ذلك ، ثم قال له : أرأيت الحق
والباطل ، إذا جاءا يوم القيامة ، فأين يكون الغناء ؟ فقال
الرجل : يكون مع الباطل ، فقال له ابن عباس : اذهب ، فقد أفتيت
نفسك .
فهذا
جواب ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن غناء الأعراب الذي ليس فيه مدح الخمر والزنى
واللواط والتشبـيـب - يعني إظهار المفاتن ووصف الجمال - بالأجنبـيات ، وأصوات
المعازف ، والآلات المطربات . فإن غناء القوم لم يكن فيه شيء من
ذلك ، ولو شاهدوا هذا الغناء لقالوا فيه أعظم قول ، فإن مضرته وفتنته فوق
مضرة شرب الخمر بكثير وأعظم من فتنته .
*
* *
فصــــــل
الخامس :
وأما اسم المكاء والتصدية . فقال تعالى
عن الكفار : ] وَمَا
كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً [ [ الأنفال :
35 ] .
قال
ابن عباس وابن عمر وعطية ومجاهد والضحاك والحسن وقتادة : المكاء :
الصفير ، والتصدية : التصفيق .
قال
ابن عباس : كانت قريش يطوفون بالبـيت
عراة ، ويصفرون ويصفقون .
والمقصود :
أن المصفقين والمصفرين في يراع أو مزمار
ونحوه فيهم شبه من هؤلاء ، ولو أنه مجرد الشبه الظاهر . فلهم قسط من
الذم ، بحسب تشبههم بهم ، وإن لم يتشبهوا بهم في جميع مكائهم
وتصديتهم ، واللَّه سبحانه لم يشرع التصفيق للرجال وقت الحاجة إليه في الصلاة
إذا نابهم أمر ، بل أمروا بالعدول عنه إلى التسبـيح ؛ لئلا يتشبهوا
بالنساء ، فكيف إذا فعلوه لا لحاجة ، وقرنوا به أنواعًا من المعاصي قولاً
وفعلاً ؟
*
* *
فصــــــل
السادس :
وأما تسميته رقية الزنى . فهو موافق لمسماه ، ولفظ مطابق لمعناه ،
فليس في رقية الزنى أنجع منه ، وهذه التسمية معروفة عن الفضيل بن
عياض .
قال
ابن أبي الدنيا : أخبرني محمد بن
الفضل الأزدي قال : نزل الحُطيئة برجل من العرب ، ومعه ابنته
مُليكة ، فلما جنه الليل سمع غناء ، فقال لصاحب المنزل : كف هذا
عني ، فقال : وما تكره من ذلك ؟ فقال : إن الغناء رائد من رادة
الفجور ولا أحب أن تسمعه هذه - يعني ابنته - فإن كففته وإلا خرجت عنك .
ولا
ريب أن كل غيور يجنب أهله سماع الغناء ،
كما يجنبهن أسباب الريـب ومن طرق أهله إلى سماع رقية الزنى فهو أعلم بالإثم الذي
يستحقه .
ومن
الأمر المعلوم عند القوم : أن المرأة
إذا استصعبت على الرجل ، اجتهد أن يسمعها صوت الغناء ، فحينئذ تعطي
الليان .
وهذا
لأن المرأة سريعة الانفعال للأصوات
جدًّا ، فإذا كان الصوت بالغناء ، صار انفعالها من وجهين : من جهة
الصوت ، ومن جهة معناه ، ولهذا قال النبـي (صلي
الله عليه وسلم) لأنجشة حاديه([9]) :
(( يا أنجشة ، رويدك ، رفقًا
بالقوارير ))([10]) يعني : النساء .
فأما
إذا اجتمع إلى هذه الرقية ، والشبابة والرقص بالتخنث والتكسر ، فلو حبلت
المرأة من غناء لحبلت من هذا الغناء .
*
* *
فصــــــل
السابع : وأما تسميته منبت
النفاق . فعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه
قال : الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع .
خواص
الغناء : اعلم أن للغناء خواصًا لها
تأثير في صبغ القلب بالنفاق ، ونباته فيه كنبات الزرع بالماء .
فمن
خواصه : أنه يلهي القلب ويصده عن فهم
القرآن وتدبره ، والعمل بما فيه ، فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في
القلب أبدًا ، لما بـينهما من التضاد ، فإن القرآن ينهى عن اتباع
الهوى ، ويأمر بالعفة ، ومجانبة شهوات النفس ، وأسباب الغيِّ ،
وينهى عن اتباع خطوات الشيطان ، والغناء يأمر بضد ذلك كله ،
ويحسنه ، ويهيج النفوس إلى شهوات الغي ، فيثير كامنها ، ويزعج
قاطنها ، ويحركها إلى كل قبـيح ، فبـينا ترى الرجل وعليه سمة الوقار
وبهاء العقل ، وبهجة الإيمان ، ووقار الإسلام ، وحلاوة
القرآن ، فإذا سمع الغناء ومال إليه نقص عقله ، وقل حياؤه ، وذهبت
مروءته ، وفارقه بهاؤه ، وتخلى عنه وقاره ، وفرح به شيطانه ،
وشكا إلى اللَّه تعالى إيمانه ، وثقل عليه قرآنه ، وقال : يا رب لا
تجمع بـيني وبـين قرآن عدوك في صدر واحد ، فاستحسن ما كان قبل السماع
يستقبحه ، وأبدى من سره ما كان يكتمه ، وانتقل من الوقار والسكينة إلى
كثرة الكلام والكذب ، والزهزهة([11]) ،
والفرقعة بالأصابع .
فيميل
برأسه ، ويهز منكبـيه ، ويضرب الأرض برجليه ، ويدق على أم رأسه
بـيديه ، ويثب وثبات الذباب ، ويخور خوران الوجد ولا كخوار
الثيران ، وتارة يتأوه تأوه الحزين ، وتارة يزعق زعقات المجانين .
وقال
بعض العارفين : السماع يورث النفاق في
قوم ، والعناد في قوم ، والكذب في قوم ، والفجور في قوم ،
والرعونة في قوم ، وأكثر ما يورث عشق الصور ، واستحسان الفواحش ،
وإدمانه يثقل القرآن على القلب ، ويكرّه إلى سماعه بالخاصية وإن لم يكن هذا
نفاقًا فما للنفاق حقيقة .
وسر
المسألة : أنه قرآن الشيطان - كما سيأتي - فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب
أبدًا .
وأيضًا
فإن أساس النفاق : أن يخالف الظاهر
الباطن ، وصاحب الغناء بـين أمرين ، إما أن يتهتك - أي لم يـبال أن يهتك
سره حين يرتكب خطأ . فيكون فاجرًا ، أو يظهر النسك فيكون منافقًا ،
فإنه يظهر الرغبة في اللَّه والدار الآخرة وقلبه يغلي بالشهوات ، ومحبة ما
يكرهه اللَّه ورسوله من أصوات المعازف وآلات اللهو ، وما يدعو إليه الغناء
ويهيجه ، فقلبه بذلك معمور ، وهو من محبة اللَّه ورسوله وكراهة ما يكرهه
قفر - أي : خال - وهذا محض النفاق .
وأيضًا
فإن الإيمان قول وعمل ، قول
بالحق ، وعمل بالطاعة ، وهذا ينبت على الذكر ، وتلاوة القرآن ،
والنفاق قول الباطل ، وعمل البغي ، وهذا ينبت على الغناء .
وأيضًا
فمن علامات النفاق : قلة ذكر
اللَّه ، والكسل عند القيام إلى الصلاة ، ونقر الصلاة ، وقل أن تجد
مفتونًا بالغناء إلا وهذا وصفه .
وأيضًا
فإن النفاق مؤسس على الكذب ، والغناء من
أكذب الشعر ، فإنه يحسن القبـيح ويزينه ، ويأمر به ، ويقبح الحسن
ويزهد فيه ، وذلك عين النفاق .
*
* *
فصــــــل
الثامن :
وأما تسميته قرآن الشيطان . فمأثور عن
التابعين - وقد روي في حديث مرفوع - قال قتادة : (( لما أهبط إبليسُ
قال : يا رب ، لعنتني فما عملي ؟ قال : السحر ،
قال : فما قرآني ؟ قال : الشعر ، قال : فما كتابـي ؟
قال : الوشم([12]) ،
قال : فما طعامي ؟ قال : كل ميتة ، وما لم يذكر اسم اللَّه
عليه ، قال ، فما شرابـي ؟ قال : كل مسكر ، قال :
فأين مسكني ؟ قال : الأسواق ، قال : فما صوتي ؟
قال : المزامير ، قال : فما مصايدي ؟ قال :
النساء )) .
هذا ،
والمعروف في هذه وقفه .
والمقصود :
أن الغناء المحرم قرآن الشيطان .
ولما
أراد عدو اللَّه أن يجمع عليه نفوس المبطلين قرنه بما يزينه من الألحان
المطربة ، وآلات الملاهي والمعازف ، وأن يكون من امرأة جميلة أو صبـي
جميل ؛ ليكون ذلك أدعى إلى قبول النفوس لقرآنه ، وتعوضها به عن القرآن
المجيد .
*
* *
فصــــــل
التاسع
والعاشر : وأما تسميته بالصوت الأحمق والصوت الفاجر . فهي تسمية الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن
الهوى .
فروى
الترمذي من حديث ابن أبـي ليلى عن عطاء عن جابر رضي اللَّه عنه قال : خرج رسول
اللَّه (صلي
الله عليه وسلم) مع عبد الرحمن بن عوف إلى
النخل ، فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه - أي يحتضر - فوضعه في حجره ،
ففاضت عيناه ، فقال عبد الرحمن : أتبكي ، وأنت تنهى
الناس ؟ قال : إني لم أنه عن البكاء ،
وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوتٌ عند نغمة : لهو ولعب ومزامير
شيطان ، وصوت عند مصيـبة : خمش وجوه - أي : لطم الوجوه وضربها - وشق
جيوب - أي : القمصان - ورنة - أي : صياح - وهذا هو رحمة ، ومن لا
يرحم لا يُرحم (( لولا أنه أمر
حق ، ووعد صدق ، وأن آخرنا سيلحق أولنا ، لحزنا عليك حزنًا هو أشد
من هذا ، وإنا بك لمحزونون ، تبكي العين ويحزن القلب ، و لا نقول ما
يسخط الرب )) . قال
الترمذي : هذا حديث حسن([13]) .
فانظر
إلى هذا النهي المؤكد ، بتسميته صوت
الغناء صوتًا أحمق ولم يقتصر على ذلك ، حتى وصفه بالفجور ، ولم يقتصر على
ذلك حتى سماه من مزامير الشيطان ، وقد أقر النبـي (صلي
الله عليه وسلم) أبا بكر الصديق على تسمية الغناء مزمور
الشيطان في الحديث الصحيح ، كما سيأتي ، فإن لم يُستفد التحريم من هذا لم
نستفده من نهي أبدًا .
*
* *
فصــــــل
الحادي عشر : وأما تسميته صوت
الشيطان . فقد قال تعالى للشيطان
وحزبه : ] اذْهَبْ
فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا *
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم
بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ
وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا [ [ الإسراء :
63، 64].
قال
ابن أبـي حاتم في (( تفسيره )) : عن ابن عباس ] وَاسْتَفْزِزْ
مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ [ قال : كل داع
إلى معصية .
ومن
المعلوم أن الغناء من أعظم الدواعي إلى المعصية ولهذا فسر صوت الشيطان به .
قال
ابن أبـي حاتم عن ليث : ] وَاسْتَفْزِزْ
مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ [ قال : استزل منهم من استطعت . قال :
وصوته : الغناء والباطل .
وبهذا
الإسناد عن منصور عن مجاهد قال : صوته هو المزمار ، ثم روى بإسناده عن
الحسن البصري قال : صوته هو الدف .
وهذه
الإضافة إضافة تخصيص ، كما أن إضافة الخيل والرجل إليه كذلك ، فكل متكلم
بغير طاعة اللَّه ، ومصوت بـيراع أو مزمار ، أو دف حرام ، أو
طبل ، فذلك صوت الشيطان وكل ساع في معصية اللَّه على قدميه فهو من رجله ،
وكل راكب في معصية اللَّه فهو من خيالته ، كذلك قال السلف ، كما ذكر ابن
أبـي حاتم عن ابن عباس قال : رجله كل رجل مشت في معصية اللَّه .
*
* *
فصــل
الثاني
عشر : وأما تسميته مزمور الشيطان .
ففي الصحيحين عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت : دخل عليَّ النبـي (صلي
الله عليه وسلم) وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث([14]) ،
فاضطجع على الفراش ، وحول وجهه ، ودخل أبو بكر رضي اللَّه عنه ،
فانتهرني ، وقال : مزمار الشيطان عند النبـي (صلي
الله عليه وسلم) ؟
فأقبل عليه رسول اللَّه (صلي
الله عليه وسلم) ،
فقال : (( دعهما )) فلما غفل غمزتهما ، فخرجتا . فلم ينكر
رسول اللَّه (صلي
الله عليه وسلم) على أبـي بكر تسمية الغناء مزمار
الشيطان ، وأقرهما ، لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب
الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب ، وكان اليوم يوم عيد ،
فتوسع حزب الشيطان في ذلك إلى صوت امرأة جميلة أجنبـية أو صبـي أمرد صوته
فتنة ، وصورته فتنة ، يغني بما يدعو إلى الزنى والفجور ، وشرب
الخمور ، مع آلات اللهو التي حرمها رسول اللَّه (صلي
الله عليه وسلم) في عدة أحاديث - كما سيأتي - مع التصفيق
والرقص ، وتلك الهيئة المنكرة التي لا يستحلها أحد من أهل الأديان ،
فضلاً عن أهل العلم والإيمان ، ويحتجون بغناء جويريتين غير مكلفتين بنشيد
الأعراب ونحوه ، في الشجاعة ونحوها ، في يوم عيد بغير شبابة ولا دف ولا
رقص ولا تصفيق ، ويدعون المحكم الصريح لهذا المتشابه ، وهذا شأن كل
مبطل .
نعم ..
نحن لا نحرم ولا نكره مثل ما كان في بـيت رسول اللَّه (صلي
الله عليه وسلم) على ذلك الوجه ، وإنما نحرم نحن وسائر
أهل العلم والإيمان السماع المخالف لذلك ، وباللَّه التوفيق .
*
* *
فصـــل
الثالث
عشر : وأما تسميته بالسمود . فقد
قال تعالى : ] أَفَمِنْ
هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ *
وَأَنتُمْ سَامِدُونَ [ [ النجم :
59-61 ] .
قال عكرمة عن ابن عباس : السمود :
الغناء في لغة حمير . يقال : اسمدي لنا أي : غَنِّ لنا ،
[ ثم ذكر رحمه اللَّه عدة تفسيرات أخرى
للسمود ] .
فائدة :
قال
بعض السلف : المعاصي بريد الكفر ،
كما أن القبلة بريد الجماع ، والغناء بريد الزنى ، والنظر بريد
العشق ، والمرض بريد الموت .
*
* *
فصـــل
في
بيان تحريم رسول اللَّه (صلي
الله عليه وسلم)
لآلات اللهو والمعازف ( الموسيقى )
وسياق
الأحاديث في ذلك
عن
عبد الرحمن بن غنم قال : حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري رضي
اللَّه عنهما أنه سمع النبـي (صلي
الله عليه وسلم) يقول : (( ليكونن من أمتي
قوم يستحلون الحر - أي : الزنى - والحرير والخمر
والمعازف )) . هذا
حديث صحيح أخرجه البخاري في (( صحيحه )) محتجًّا به .
وأخرج
ابن أبـي الدنيا عن سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول اللَّه (صلي
الله عليه وسلم) :
(( يكون في أمتي خسف
وقذف ومسخ ))([15]) . قيل : يا رسول اللَّه ،
متى ؟ قال : (( إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت
الخمر )) . وفي
(( المسند )) : عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن رسول
اللَّه (صلي
الله عليه وسلم) قال : (( إن اللَّه حرم
الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر حرام ))([16]) والكوبة : الطبل . قاله سفيان([17]) ،
وقيل : البربط([18]) ،
والقنين هو الطنبور بالحبشية ، والتقنين : الضرب به ، قاله ابن
الأعرابـي .
وقد
تظاهرت الأخبار بوقوع المسخ في هذه الأمة ، وهو مقيد في أكثر الأحاديث بأصحاب
الغناء ، وشاربـي الخمر ، وفي بعضها مطلق ، قال سالم بن أبـي
الجعد : ليأتين على الناس زمان يجتمعون فيه على باب رجل ينتظرون أن يخرج
إليهم ، فيطلبون إليه حاجة ، فيخرج إليهم وقد مسخ قردًا أو
خنزيرًا ، وليمرن الرجل على الرجل في حانوته يـبـيع ، فيرجع إليه وقد مسخ
قردًا أو خنزيرًا )) .
وقال
أبو هريرة رضي اللَّه عنه : لا تقوم الساعة حتى يمشي الرجلان إلى الأمر
يعملانه فيمسخ أحدهما قردًا أو خنزيرًا ، فلا يمنع الذي نجا منهما ما فعل
بصاحبه أن يمضي إلى شأنه ذلك حتي يقضي شهوته ، وحتى يمشي الرجلان إلى الأمر
يعملانه ، فيخسف بأحدهما ، فلا يمنع الذي نجا منهما ما رأى بصاحبه أن
يمشي لشأنه ذلك ، حتى يقضي شهوته منه .
فالظاهر
مرتبط بالباطن أتم ارتباط ، فإذا
استحكمت الصفات المذمومة في النفس قويت على قلب الصورة الظاهرة ، ولهذا خوف
النبـي (صلي
الله عليه وسلم) من سابق الإمام في الصلاة بأن يجعل اللَّه
صورته صورة حمار لمشابهته للحمار في الباطن ، فإنه لم يستفد من مسابقة الإمام
إلا فساد صلاته ، وبطلان أجره ، فإنه لا يسلم قبله ، فإنه شبـيه
بالحمار في البلادة ، وعدم الفطنة .
إذا
عرف هذا فأحق الناس بالمسخ هؤلاء الذين ذكروا في هذه الأحاديث ، فهم أسرع
الناس مسخًا قردة وخنازير فمشابهتهم لهم في الباطن ، وعقوبات الرب تعالى -
نعوذ باللَّه منها - جارية على وفق حكمته وعدله . انتهى كلام ابن القيم رحمه
اللَّه ونفعنا اللَّه بعلمه ... آمين .
::خاتمــــــــــة ::
يا
رب ،
لو أدركت القلوب عظمتك ، لكان شهيقها القرآن ، وزفيرها الذكر ، و
نبضها الدعاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق