الاثنين، 7 أكتوبر 2013

الرويبضة ومطاولة العلماء



الرويبضة ومطاولة العلماء


فقد صَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إِنَّ بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ سِنِينَ خَدَّاعَةً، يُصَدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكَذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخَائِنُ، ويُخَوَّنُ فِيها الأَمِينُ، ويَنطِقُ فيها الرُّوَيبِضَةُ))، قِيلَ: وما الرُّوَيبِضَةُ؟ قال: ((المَرءُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ في أَمرِ العَامَّةِ)).
اللهُ أَكبرُ وهو المُستَعَانُ أيها المسلمون، وَعِشنَا وَعِشتُم وَطَالَ بِبَعضِكُمُ العُمُرُ حتى رَأَينَا مِصدَاقَ هذا الحديثِ وَاقِعًا حَيًّا بَينَ أَظهُرِنَا وَمِن حَولِنَا، نَقرَؤُهُ في جَرَائِدِنا وَصُحُفِنَا، وَنَرَاهُ في الكَثِيرِ من قَنَواتِنَا، وَنَسمَعُهُ في إِذَاعَاتِنا وَوَسَائِلِ إِعلامِنَا، وَإِذَا لم تَكُنْ هذِهِ السَّنَوَاتُ التي نَعِيشُها دَاخِلَةً في السِّنِينَ الخَدَّاعَةِ فمتى تَكُونُ؟!
وَإِنَّهُ بِمَوتِ كَثِيرٍ مِنَ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ وَذَهَابِ الجَهَابِذَةِ المُخلِصِينَ بَدَأَ أَولَئِكَ الحَمقَى المَأفُونُونَ يَظهَرون وَيَبرُزُونَ، وَعَلى صَفَحَاتِ الجَرَائِدِ يَسرَحُونَ وَيَمرَحُونَ، وَبِكُلِّ خَبِيثٍ مِنَ القَولِ يَتَقَيَّؤُونَ وَلا يَستَحيُونَ، وَصَدَقَ صلى الله عليه وسلم إِذ قَالَ: ((إِنَّ اللهَ تعالى لا يَقبِضُ العِلمَ انتِزَاعًا يَنتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقبِضُ العِلمَ بِقَبضِ العُلَمَاءِ، حتى إِذَا لم يُبقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفتَوا بِغَيرِ عِلمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)). هَذِهِ هِيَ الحَالُ اليَومَ لَولا رَحمَةُ رَبِّي، بَلْ إِنَّ السُّفَهَاءَ مِن َأَدعِيَاءِ الكِتَابَةِ اليَومَ لم يَكتَفُوا بِضَلالِهِم وَإِضلالِ مَن سِوَاهُم مِنَ العَوَامِّ وَالمُغَفَّلِينَ حتى أَضَافُوا إلى ذلك ـ ولا سِيَّمَا في الأَيَّامِ المُتَأَخِّرَةِ ـ رِقَّةً في الدِّينِ وَسُوءًا في الأَدَبِ وَصَفَاقَةً في الوُجُوهِ، فَجَادَلُوا أَئِمَّةَ الهُدَى وَكَذَّبُوهُم، وَرَدُّوا على عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ وخَطَّؤُوهُم، وَسَارُوا حَسْبَمَا تُملِيهِ عَلَيهِم أَمزِجَتُهُمُ الفَاسِدَةُ، وَتَبَجَّحُوا بما تُملِيهِ عَلَيهِم شَهَوَاتُهُم العَارِمَةُ وَأَهوَاؤُهُم الزَّائِغَةُ، مُعَرِّضِينَ أَنفُسَهُم بِذَلِكَ لما صَحَّ عَن إِمَامِ العُلَمَاءِ صلى الله عليه وسلم حَيثُ قال: ((لَيسَ مِنَّا مَن لم يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ)).
وَمِن أَسَفٍ أَنْ يُكَذَّبَ العُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ، وَتُنسَفَ أَقوَالُهُم وَتترَكَ فَتَاوَاهُم، وَيُصَدَّقَ أُولَئِكَ الخَوَنَةُ وَتُتَّبَعَ آرَاؤُهُم، وَيُؤخَذَ بِمَا يُلَبِّسُونَ بِهِ مَعَ تَفَاهَتِهِم وَحَقَارَتِهِم.
أُغَيلِمَةٌ صِغَارٌ مَا شَمُّوا رَائِحَةَ العِلمِ وَلا ذَاقُوا حَلاوَتَهُ، يَفتِلُونَ عَضَلاتِهِم أَمَامَ جَهَابِذَةٍ مِن كِبَارِ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ وَمُفَكِّرِيهَا، مِنَ الذينَ أَفنَوا عَشَرَاتِ السِّنِينَ في تَعلُّمِ العِلمِ وَتَعلِيمِهِ، وَتَألِيفِ الكُتُبِ فِيهِ وَالدَّعوَةِ إِلى اللهِ، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ، وَللهِ الأَمرُ مِن قَبلُ وَمِن بَعدُ، لَكِنَّهَا سُنَنٌ إِلهِيَّةٌ جَارِيَةٌ، وَأَقدَارٌ رَبَّانِيَّةٌ مُحْكَمَةٌ، وَفِتَنٌ مُمَيِّزَةٌ مُمَحِّصَةٌ، لِيَتَبَيَّنَ الصَّادِقُ مِنَ الكَاذِبِ، وَيَتَمَيَّزَ الخَبِيثُ مِنَ الطَّيِّبِ، وَيَذهَبَ الزَّبَدُ جُفَاءً غَيرَ مَأسُوفٍ عَلَيهِ، وَلا يَبقَى في الأرضِ إِلاَّ مَا يَنفَعُ الناسَ، قال سُبحانَه: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لا يُفتَنُونَ * وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ))، وقال تعالى: ((أَم حَسِبتُم أَن تُترَكُوا وَلَمَّا يَعلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُم وَلَم يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ المُؤمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ))، وقال جل وعلا: ((لِيَمِيزَ اللهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجعَلَ الخَبِيثَ بَعضَهُ عَلَىَ بَعضٍ فَيَركُمَهُ جَمِيعًا فَيَجعَلَهُ في جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ))، وقال جَلَّ مِن قَائِلٍ: ((أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَت أَودِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحتَمَلَ السَّيلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيهِ في النَّارِ ابتِغَاء حِليَةٍ أَو مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمكُثُ في الأَرضِ كَذَلِكَ يَضرِبُ اللهُ الأَمثَالَ، وقال عز وجل: أَم حَسِبَ الَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَرَضٌ أَن لن يُخرِجَ اللهُ أَضغَانَهُم)).
يَتَدَافَعُ الحَقُّ وَالبَاطِلُ، وَيَتَصَارَعُ الصِّدقُ وَالكَذِبُ، وَيَتَبَارَى الخَيرُ وَالشَّرُّ، وَيَتَكَلَّمُ المُؤمِنُونَ وَيَتَشَدَّقُ المُنَافِقُونَ، وَيُدلي العُلَمَاءُ بِالأَدِلَّةِ النَّاصِعَةِ وَالحجَجِ الدَّامِغَةِ، وَيُلقِي السُّفَهَاءُ بِالشُّبُهَاتِ الفَاسِدَةِ وَالتَّلبِيسَاتِ الوَاهِيَةِ، ((فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَحْ صَدرَهُ لِلإِسلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجعَلْ صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ في السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجعَلُ اللهُ الرِّجسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ))، وَلَكِنَّ الأَمرَ كَمَا قال إِلهُ الحَقِّ سبحانَه: ((أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجعَلَهُم كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحيَاهُم وَمَمَاتُهُم سَاء مَا يَحكُمُونَ))، وكما قال تعالى: ((أَم نَجعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالمُفسِدِينَ في الأَرضِ أَم نَجعَلُ المُتَّقِينَ كَالفُجَّارِ))، وكما قال سبحانه: ((أَفَنَجعَلُ المُسلِمِينَ كَالمُجرِمِينَ * مَا لَكُم كَيفَ تَحكُمُونَ))، وكما قال جل وعلا: ((هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُّحكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأوِيلِهِ وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الألبَابِ)). إنهم وَاللهِ لا يَستَوُونَ، ((فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِم أُجُورَهُم وَيَزيدُهُم مِن فَضلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ استَنكَفُوا وَاستَكبَرُوا فَيُعَذِّبُهُم عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَد جَاءكُمُ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَنِ اهتَدَى فَإِنَّمَا يَهتَدِي لِنَفسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيهَا وَمَا أَنَا عَلَيكُم بِوَكِيلٍ)).
إِنَّ مَا يُنشَرُ هذِهِ الأَيَّامَ في صُحُفِنَا ممَّا يَنطقُ به الرُّوَيبِضَةُ وَيَكتُبُهُ التَّافِهُونَ وَتِلكَ الرُّدُودَ التي يَتَطَاوَلُونَ بها على الرَّاسِخِينَ مِن عُلَمَاءِ الدِّينِ دُونَ تَقدِيرٍ وَلا إِجلالٍ لهو عَجَبٌ مِنَ العَجَبِ، إِذْ كَيفَ تُطَاوِلُ التِّلالُ الجِبَالَ؟! بَل كَيفَ يُقَارِعُ الجُبَنَاءُ الأَبطَالَ؟! وَشَتَّانَ بَينَ الغُيُومِ وَالنُّجُومِ! لَكِنَّهَا السّنُونَ الخَدَّاعَةُ التي ذَكَرَهَا مَن لا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى، حَيثُ تَنقَلِبُ المَوَازِينُ وَتَختَلُّ المَفَاهِيمُ، وَيُصَدَّقُ الكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ الصَّادِقُ، وَيُخَوَّنُ الأَمِينُ وَيُؤتَمَنُ الخَائِنُ، وَتَنطِقُ الرُّوَيبِضَةُ.

إِذَا عَيَّـرَ الطَّائِـيَّ بِالبُخلِ مَـادِرٌ *** وَعَيَّـرَ قِسًّـا بِـالفَهَاهَـةِ بَاقِـلُ


وَ قَالَ السُّهَا لِلشَّمسِ أَنْتِ كَسِيفَةٌ *** وَقَالَ الدُّجَى لِلبَدرِ وَجهُكَ حَائِـلُ


وَطَاوَلَتِ الأَرضُ السَّمَاءَ سَفَاهَـةً *** وَفَاخَرَتِ الشُّهبَ الحَصَى وَالجَنَادِلُ


فَيَا موتُ زُرْ إِنَّ الْحَيَـاةَ ذَمِيمَـةٌ *** وَيَا نَفسُ جِدِّي إِنَّ دَهرَكِ هَـازِلُ

إِنَّ المُتَابِعَ بَلِ النَّاظِرَ في الجَرَائِدِ والانترنت والمجلات في هذِهِ الأَيَّامِ لَيَرَى إِلحَاحًا وَاضِحًا مِن كُتَّابِها عَلَى النَّيلِ مِنَ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ، وَتَنَقُّصًا ظَاهِرًا لأَشخَاصِهِم وَمَا يَحمِلُونَ، وَاتِّهَامًا لهم بِالجَهلِ وَعَدَمِ التَّفَقُّهِ في الوَاقِعِ، وَتحمِيلاً لِكَلامِهِم مَا لا يَحتَمِلُهُ، وَإِذَا أَعيَتْهُمُ الحِيَلُ وَسُدَّت في وُجُوهِهِمُ السُّبُلُ زَعَمُوا خِدَاعًا وَتَضلِيلاً وَإِمعَانًا في رَدِّ الحَقِّ أَنَّ مَا يَذكُرُهُ هَذَا العَالمُ أَو ذَاكَ لا يَعدُو أَن يَكونَ رَأيَهُ الشَّخصِيَّ وَفَهمَهُ الذَّاتيَّ، وَكَأَنَّ أَحكَامَ الدِّينِ المَبنِيَّةَ عَلى مَا قال اللهُ وقال رسولُهُ أو على إِجماعِ الأُمَّةِ، كَأنَّهَا قد أَصبَحَت قَضَايَا سُوقِيَّةً يَكتُبُ فِيهَا مَن هَبَّ وَدَبَّ، أَو آراءَ يُنَاقِشُها مَن هَرَفَ وَمَا عَرَفَ.
أَلا فَلْيَعلَمِ المُسلِمُونَ أَنَّ اللهَ مُبتَلِيهِم بِهَؤلاءِ الأَفَّاكِينَ التَّافِهِينَ، وَأَنَّهُم في سِنِينَ خَدَّاعَةٍ وَيَتَعَرَّضُونَ لِفِتَنٍ مُتَوَالِيَةٍ، وَأَنَّ الأَمرَ قَد وُسِّدَ إِلى غَيرِ أَهلِهِ وَالأَمَانَةَ قَد ضُيِّعَت، وَحِمى الشَّرِيعَةِ قَد صَارَ مُستَبَاحًا لِكُتَّابِ الجَرَائِدِ وَمُرتَزِقَةِ الصَّحَافَةِ، وَأَنَّهُ لا عِبرَةَ بِمَن فَسَدَ ذوقُهُ أَو سَقُمَ فَهمُهُ.

فَكَم مِن عَائِبٍ قَولاً صَحِيحًا***وَآفَتُهُ مِنَ الفَهمِ السَّقِيمِ


وَمَن يَـكُ ذَا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ ***يَجِدْ مُرًّا بِهِ المَاءَ الزُّلالا


قَد تُنكِرُ العَينُ ضَوءَ الشَّمسِ مِن رَمَدٍ***وَيُنكِرُ الفَمُ طَعَمَ المَاءِ مِن سَقَمِ

أَلا فَلْيَتَّقِ اللهَ أولئك الأصاغر، وَلْيَعرِفُوا قَدرَ عُلَمَائِهِم وَلْيَحفَظُوا مَكَانَةَ مَشَايِخِهِم، فَإِنَّهُم لَن يَزَالُوا بِخَيرٍ مَا دَامُوا عَلَى ذَلِكَ، وَالأَمرُ عَقِيدَةٌ وَدِينٌ، وَالنِّهَايَةُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، وَالخَاتِمَةُ فَوزٌ أَو خَسَارَةٌ.
وَلَقَد تَوَافَرَتِ الأَدِلَّةُ وَتَظَاهَرَت على إِبرَازِ فَضلِ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، وَجَاءَ مَدحُهُم على لِسَانِ الصَّادِقِ الأَمِينِ، حَيثُ قَال سبحانَه: ((قُلْ هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبَابِ))، وقال عليه الصلاةُ والسلامُ: ((مَن سَلَكَ طَرِيقًا يَطلُبُ فِيهِ عِلمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا مِن طُرُقِ الجَنَّةِ، وَإِنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أَجنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلمِ رِضًا بِمَا يَصنَعُ، وَإِنَّ العَالمَ لَيَستَغفِرُ لَهُ مَن في السمواتِ وَمَن في الأرضِ والحِيتَانُ في جَوفِ المَاءِ، وَإِنَّ فَضلَ العَالمِ على العابِدِ كَفَضلِ القَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ على سَائِرِ الكَواكِبِ، وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنبِيَاءَ لم يُوَرِّثُوا دِينَارًا ولا دِرهمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلمَ، فَمَن أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ))، وَقَال عليه الصلاةُ والسلامُ: ((الدُّنيا مَلعُونَةٌ مَلعُونٌ مَا فِيها، إِلاَّ ذِكرَ اللهِ وَمَا وَالاه وَعَالِمًا وَمُتَعَلِّمًا))، وقال: ((فَضلُ العالمِ على العابِدِ كَفَضلِي عَلَى أَدنَاكُم، إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهلَ السمواتِ والأرضِ حتى النملةَ في جُحرِها وَحتى الحوتَ لَيُصَلُّونَ على مُعَلِّمِ الناسِ الخَيرَ))، وقال: ((إِنَّ مِن إِجلالِ اللهِ إِكرَامَ ذِي الشَّيبَةِ المُسلِمِ وَحَامِلِ القُرآنِ غَيرِ الغَالي فِيهِ ولا الجَافي عَنهُ، وَإِكرَامَ ذِي السُّلطَانِ المُقسِطِ))، وقال: ((البركَةُ مَعَ أَكَابِرِكُم))، وَصَحَّ عَنِ ابنِ سِيرِينَ رحمه اللهُ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ هَذَا العِلمِ دِينٌ، فَانظُرُوا عَمَّن تَأخُذُونَ دِينَكُم". وَأَمَّا هؤلاءِ المُتَشَدِّقُونَ الأَصَاغِرُ الخَائِضُونَ فِيمَا لا يَعلَمُونَ فَإِنَّهُم مِن أَجهَلِ النَّاسِ وَإِنْ حَسَّنُوا العِبَارَةَ وَزَيَّنُوا المَقَالَةَ، وَقَد صَحَّ فِيهِم حَدِيثُ الحَبِيبِ حَيثُ قال: ((إِنَّ أَخوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيكم بَعدِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلَيمِ اللِّسَانِ))، وَانطَبَقَ عَلَيهِم قَولُ مَن قَالَ:

زَوَامِلُ لِلأَسفَارِ لا عِلمَ عِندَهُمْ***بِجَيِّدِهَا إِلاَّ كَعِلـمِ الأَبَاعِـرِ


لَعَمرُكَ مَا يَدرِي البَعِيرُ إِذَا غَدَا***بِأَوسَاقِهِ أَو رَاحَ مَا في الغَرَائِرِ

وَمَا حُبُّهُم لِلجَدَلِ وَاللَّجَاجَةِ وَتَمَادِيهِم في الخُصُومَةِ وَالنِّقَاشِ العَقِيمِ إِلاَّ دَلِيلُ ضَلالِهِم، حَيثُ قال صلى الله عليه وسلم: ((مَا ضَلَّ قَومٌ بَعدَ هُدًى كَانُوا عَلَيهِ إِلاَّ أُوتُوا الجَدَلَ)) ، ثم قَرَأَ: ((مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً))[ حسنه الألباني سنن ابن ماجة].، وَإِلاَّ لَو كَانُوا صَادِقِينَ فِيمَا يَدَّعُونَهُ مِنَ النَّزَاهَةِ وَالبَحثِ عَنِ الحَقِّ لَوَقَفُوا عِندَ المُحكَمِ مِن آيَاتِ التَّنزِيلِ وَمَا صَحَّ مِن أَحَادِيثِ الرَّسولِ، فَإِنَّ تِلكَ هِيَ حَالُ المُؤمِنِينَ الذين قال اللهُ تعالى فيهم: ((إِنَّمَا كَانَ قَولَ المُؤمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم أَن يَقُولُوا سَمِعنَا وَأَطَعنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ))، أَمَّا المُنَافِقُونَ فقد قال اللهُ فِيهِم وَهُوَ أَصدَقُ القَائِلِينَ: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُم تَعَالَوا إِلى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلى الرَّسُولِ رَأَيتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا)). تِلكَ حَالُهُم، وَذَاكَ ضَلالُهُم، وَلَو تَرَكُوا الأَمرَ لأَهلِهِ لأَرَاحُوا وَاستَرَاحُوا، ((وَلَو رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم)).
وَاعلَمُوا أَنَّ الدِّينَ اتِّبَاعٌ وَلَيسَ ابتِدَاعًا، وَتَسلِيمُ قَلَوبٍ مُؤمِنَةٍ لا هَوَى نُفُوسٍ مَرِيضَةٍ، وَأَنَّ مَن بَانَ لَهُ الدَّلِيلُ فَلا يَسَعُهُ إِلاَّ اتِّبَاعُهُ، وَمَن كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَلَيسَ لَهُ إِلاَّ اتِّبَاعُ العُلَمَاءِ وَتَقلِيدُ المُفتِينَ الذين عُرِفَ عَنهُمُ العِلمُ وَالتَّقوَى وَخَشيَةُ اللهِ، أَمَّا السَّيرُ وَرَاءَ كُلِّ نَاعِقٍ وَتَتَبُّعُ الرُّخَصِ وَزَلاَّتِ العُلَمَاءِ فَمَا هِيَ حَالَ مَن نَصَحَ لِنَفسِهِ وَطَلَبَ لها النَّجَاةَ، وَأَمَّا آخِذُو دِينِهِم وَأَحكَامِ شَرِيعَتِهِم مِنَ الصُّحُفِ وَكُتَّابِها فَمَا لِخَسَارَتِهِم وَاستِبدَالِهمُ الأَدنى بِالذي هُوَ خَيرٌ وَصفٌ أَدَقُّ مِن قَولِ الشَّاعِرِ:

وَمَن يَكُنِ الغُرَابُ لَهُ دَلِيلاً يَمُرُّ بِهِ عَلَى جِيَفِ الكِلابِ


ويقول الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تحت عنوان: (( خطر الوقوع في أهل العلم )):
الوُقُوعْ فِي أَعْرَاضِ المُسْلِمِينْ كَمَا يَقُول ابْنُ دَقِيق العِيدْ يقُول: "أَعْرَاضُ المُسْلِمِينْ حُفْرَة مِنْ حُفَر النَّارْ، وَقَفَ عَلَى شَفِيرِهَا العُلَمَاءُ والحُكَّامْ" فَعَلَيْكَ أَنْ تَحْفَظَ لِسَانَك وتَصُون مَا اكْتَسَبْتَهُ مِنْ حَسَنَاتْ، لا تُوَزِّعْ حَسَنَاتِكْ عَلَى فُلانْ وفُلانْ و فُلانْ، فَاحْرِصْ عَلَى مَا جَمَعْتْ يَعْنِي لَوْ أَنَّكَ اجْتَهَدْتَ فِي يَوْمِكَ وكَسِبْتَ دَرَاهِمَ مَعْدُودَة مِئَاتْ أَوْ أُلُوفْ أَو عَشَرَاتْ ثُمَّ وَضَعْتَهَا فِي صُنْدُوقٍ عِنْدَ البَابْ وَلَمْ تَنْوِ بِذَلِكَ التَّقَرُّبْ إِلَى اللهِ -جل وعلا- إِنَّمَا مِنْ بَابِ السَّفَه فَجَاءَ الصِّبْيَان وجَاءَ الأَطْفَالْ وأَخَذُوهَا و رَمَوْهَا أَوْ مَزَّقُوهَا مَاذَا يُقَالُ عَنْك؟ يُقُال: مَجْنُونْ مَا فِيه أَحَد بيترَدَّدْ أَنَّ مَنْ يَصْنَعْ هَذَا العَمَلْ مَجْنُونْ، لَكِنْ هَذِهِ الحَسَنَاتْ التِّي تَعِبْتَ عَلَيْهَا وهِيَ زَادُكَ إِلَى الآخِرَة عَلَيْكَ أَنْ تُحَافِظَ عَلَيْهَا والنَّبِي -عليه الصلاة والسلام- يَقُول لِصَحَابَتِهِ الكِرَام:((أَتَدْرُونَ مَنِ المُفْلِسْ؟)) قَالُوا: المُفْلِسُ مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ ولا مَتَاعْ، قَال: ((إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ))فَعَلَيْكَ أَنْ تَحْفَظ لِسَانَك لا بِالنِّسْبَةِ لِلْعُلَمَاءْ ولا لِغَيْرِهِمْ، والعُلَمَاء أَوْلَى مِنْ أَنْ تَحْفَظَ أَعْرَاضِهِمْ؛ لِأَنَّ الكَلامَ فِيهِمْ يُهَوِّنُ مِنْ شَأْنِهِمْ، والتَّهْوِينُ مِنْ شَأْنِهِمْ لا لِأَنَّهُم فُلانْ أوعِلاَّنْ هَذَا لا يَضُرُّ كَثِيراُ مِثْلْ مَا يَضِر مِنْ التَّهْوينْ مِنْ أَهْلِ العِلْمْ الذِّينَ هُمْ فِي الحَقِيقَة قُدُوَاتْ لِلنَّاسْ.
يقُول: وإِنْ صَدَرَ مِنْهُم بَعْضِ الفَتَاوَى التِّي تُخَالِفُ إِجْمَاع أَهْلِ العِلْمْ؟
إِذَا لاحَظْتَ مِثْلَ هَذِهِ الفَتْوَى فَعَلَيْكَ أَنْ تَتَثَبَّتْ بِالفِعْل هَلْ قَالَ هَذَا العَالِمْ؛ لِأَنَّ بَعْض النَّاسْ يَتَسَرَّعْ فِي النَّقْل وقَدْ يَنْقُلْ خَطَأْ، فَأَنْتَ تَتَثَبَّتْ مِنْ صِحَّةِ نِسْبَتِهَا ومِنْ صِحَّةِ مَفَادِهَا ومِنْ صِحَّةِ حَقِيقَتِهَا، ومِنْ صِحَّةِ نِسْبَتِهَا إِلَى القَائِلْ ومِنْ صِحَّةِ القَوْل فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِك عَلَيْكَ أَنْ تُنَاقِشْ هَذَا القَائِلْ وبِأُسْلُوبٍ مُؤَدَّبٍ ومُحْتَرَم وتقُول لَهُ: سَمِعْنَا كَذَا فَهَل هُو صَحِيح، وإِنْ كَانَ صَحِيح فَمَا وَجْهُهُ، وأَهْلُ العِلْمِ سَلَفاً وخَلَفاً يقُولُونْ كَذَا وتَصِلْ إِلَى مُرَادِكْ مِنْ غَيْرِ أنْ تَضُرَّ نَفْسَك.[ موقع الشيخ حفظه الله ].
وإن من أهم الأسباب التي تؤدي الى الوقوع في أعراض أهل العلم من قبل الرويبضة هو التصدر قبل التأهل، يقول العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في كتابه العلم تحت عنوان: (( التصدر قبل التأهل )):
مما يجب الحذر منه أن يتصدر طالب العلم قبل أن يكون أهلا للتصدر؛ لأنه إذا فعل ذلك كان هذا دليلا على أمور:
الأمر الأول : إعجابه بنفسه حيث تصدر فهو يرى نفسه عَلَم الأعلام.
الأمر الثاني : أن ذلك يدل على عدم فقهه ومعرفته للأمور؛ لأنه إذا تصدر، ربما يقع في أمر لا يستطيع الخلاص منه، إذ إن الناس إذا رأوه متصدرًا أو ردوا عليه من المسائل ما يبين عواره.
الأمر الثالث: أنه إذا تصدر قبل أن يتأهل لزمه أن يقول على الله ما لا يعلم؛ لأن الغالب أن من كان هذا قصده، أنه لا يبالي ويجيب على كل ما سُئِلَ ويخاطر بدينه وبقوله على الله - عز وجل - بلا علم.
الأمر الرابع: أن الإنسان إذا تصدر فإنه في الغالب لا يقبل الحق؛ لأنه يظن بسفهه أنه إذا خضع لغيره ولو كان معه الحق كان هذا دليلا على أنه ليس بعالم.
وسئل رحمه الله هذا السؤال:
ما رأي فضيلة الشيخ في بعض الشباب ومنهم بعض طلبة العلم الذين صار ديدنهم التجريح في بعضهم البعض وتنفير الناس عنهم والتحذير منهم ، هل هذا عمل شرعي يثاب عليه أو يعاقب عليه ؟
فأجاب:
الذي أراه أن هذا عمل محرم، فإذا كان لا يجوز لإنسان أن يغتاب أخاه المؤمن. وإن لم يكن عالماً فكيف يسوغ له أن يغتاب إخوانه العلماء من المؤمنين ، والواجب على الإنسان المؤمن أن يكف لسانه عن الغيبة في إخوانه المؤمنين . قال الله تعالى { يا أيها الذين أمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ، ولا تحتسبوا ولا يغتب بعضكم بعضاً ، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه . واتقوا الله .. } الآية ، وليعلم هذا الذي ابتلى بهذه البلوى أنه إذا جرح العالم فسيكون سبباً في رد ما يقوله هذا العالم من الحق . فيكون وبال رد الحق وإثمه على هذا الذي جرح العالم لأن جرح العالم في الواقع ليس جرحاً شخصياً بل هو جرح لإرث محمد صلى الله عليه وسلم .
فإن العلماء ورثة الأنبياء فإذا جرح العلماء وقدح فيهم لم يثق الناس بالعلم الذي عندهم وهو مورث عن رسول الله ، - صلى الله عليه وسلم - ، وحينئذ لا يثقون بشيء من الشريعة التي يأتي بها هذا العالم الذي جرح ، ولست أقول إن كل عالم معصوم ، بل كل إنسان معرض للخطأ ، وأنت إذا رأيت من عالم خطأ فيما تعتقده ، فاتصل به وتفاهم معه ، فإن تبين لك أن الحق معه وجب عليك اتباعه، وإن لم يتبين لك ولكن وجد لقوله مساغاً وجب عليك الكف ، وإن لم تجد لقوله مساغاً فاحذر من قوله لأن الإقرار على الخطأ لا يجوز ..لكن لا تجرحه وهو عالم معروف مثلاً بحسن النية ، ولو أردنا أن نجرح العلماء المعروفين بحسن النية لخطأ وقعوا فيه من مسائل الفقه ، لجرحنا علماء كباراً ، ولكن الواجب هو ما ذكرت ، وإذا رأيت من عالم خطأ فناقشه وتكلم معه ، فإما أن يتبين لك أن الصواب معه فتتبعه أو يكون الصواب معك فيتبعك .. أو لا يتبي الأمر ويكون الخلاف بينكما من الخلاف السائغ وحينئذ يجب عليك الكف عنه وليقل هو ما يقول ولتقل أنت ما تقول ..
والحمد لله .. الخلاف ليس في هذا العصر فقط .. الخلاف من عهد الصحابة إلى يومنا ، وأما إذا تبين الخطأ ولكنه أصر انتصاراً لقوله وجب عليك أن تبين الخطأ وتنفر منه ، لكن لا على أساس القدح في هذا الرجل وإرادة الانتقام منه ، لأنه هذا الرجل قد يقول قولاً حقاً في غير ما جادلته فيه .فالمهم أنني أحذر إخواني من هذا البلاء وهذا المرض وأسأل الله لي ولهم الشفاء من كل ما يعيبنا أو يضرنا في ديننا ودنيانا (( فتوى الشيخ ابن عثيمين)) .[ فتاوى اسلامية / محمد عبد العزيز المسند ج4].


وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في سؤال وجه اليها:
نسمع ونجد أناسا يدعون أنهم من السلفية ، وشغلهم الشاغل هو الطعن في العلماء واتهامهم بالابتداع ، وكأن ألسنتهم ما خلقت إلا لهذا ، ويقولون : نحن سلفية .
والسؤال يحفظكم الله :
ما هو مفهوم السلفية الصحيح ، وما موقفها من الطوائف الإسلامية المعاصرة ؟ وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء إنه سميع الدعاء .
الجواب:
إذا كان الحال كما ذكر ، فإن الطعن في العلماء ورميهم بالابتداع واتهامهم مسلك مرد ليس من طريقة سلف هذه الأمة وخيارها ، وإن جادة السلف الصالح هي الدعوة إلى الكتاب والسنة ، وإلى ما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين لهم بإحسان بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، مع جهاد النفس على العمل بما يدعو إليه العبد ، والالتزام بما علم بالضرورة من دين الإسلام من الدعوة إلى الاجتماع والتعاون على الخير ، وجمع كلمة المسلمين على الحق ، والبعد عن الفرقة وأسبابها من التشاحن والتباغض والتحاسد ، والكف عن الوقوع في أعراض المسلمين ، ورميهم بالظنون الكاذبة ، ونحو هذا من الأسباب الجالبة لافتراق المسلمين وجعلهم شيعا وأحزابا يلعن بعضهم بعضا ، ويضرب بعضهم رقاب بعض ، قال تعالى : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }[ سورة آل عمران الآية 103] { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }[ سورة آل عمران الآية 104] { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }[ سورة آل عمران الآية 105].
، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض »[ متفق عليه] ، والآيات والأحاديث في ذم التفرق وأسبابه كثيرة ؛ ولهذا فإن حماية أعراض المسلمين وصيانتها من الضروريات التي علمت من دين الإسلام ، فيحرم هتكها والوقوع فيها ، وتشتد الحرمة حينما يكون الوقوع في العلماء ، ومن عظم نفعه للمسلمين منهم ؛ لما ورد من نصوص الوحيين الشريفين بعظيم منزلتهم ، ومنها : أن الله سبحانه وتعالى ذكرهم شهداء على توحيده ، فقال تعالى : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [سورة آل عمران الآية 18] ، والوقوع في العلماء بغير حق تبديعا وتفسيقا وتنقصا وتزهيدا فيهم- كل ذلك من أعظم الظلم والإثم ، وهو من أسباب الفتن ، وصد المسلمين عن تلقي علمهم النافع وما يحملونه من الخير والهدى ، وهذا يعود بالضرر العظيم على انتشار الشرع المطهر ؛ لأنه إذا جرح حملته أثر على المحمول ، وهذا فيه شبه من طريقة من يقع في الصحابة من أهل الأهواء ، وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم شهود نبي هذه الأمة على ما بلغه من شريعة الله ، فإذا جرح الشاهد جرح المشهود به . فالواجب على المسلم التزام أدب الإسلام وهديه وشرائعه ، وأن يكف لسانه عن البذاء والوقوع في أعراض العلماء ، والتوبة إلى الله تعالى من ذلك ، والتخلص من مظالم العباد ، ولكن إذا حصل خطأ من العالم فلا يقضي خطؤه على ما عنده من العلم ، والواجب في معرفة الخطأ الرجوع إلى من يشار إليهم من أهل العلم في العلم والدين وصحة الاعتقاد ، وأن لا يسلم المرء نفسه لكل من هب ودب ، فيقوده إلى المهالك من حيث لا يشعر .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .


اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كيفية صلاة النبي

كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي فرض الصلاة على عباده وأمرهم بإقامتها وحسن أدائها وعلق النجاح والفلاح بالخشوع ...