البديل
عن مشاهدة التلفاز
الحمد لله ، كاشف الهموم و مجلي الغموم ، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين ، نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين و بعد:
فمع الغزو الإعلامي المكثف تحولت كثير من بيوت المسلمين إلى مرتع مفتوح لدعاة الشر و الفساد ، و زاد تعلق الناس بالشاشات و ما يعرض فيها ، حتى أنها دخلت في تنظيم أوقات حياتهم و تربية أفكارهم و تغيير معتقداتهم و توجيه صغارهم!
و قد يطول زمن الجلوس في بعض البيوت أمام الشاشات إلى ساعات طويلة لو جمعت في عمر الإنسان لكانت أياماً و شهوراً و سنيناً . و هكذا يفقد كثير من الناس ما هو أغلى من الذهب و الفضة و أكثر فائدة و أعظم أثراً .. ألا وهو الوقت.
فإن كان المال يستطيع الموفق أن يستثمره و ينميه ، و أحيانا يأتي من وارث ، أو هبة ، أو غير ذلك ، إلا أن الزمن لا يُنَمَّى و لا يوهب و لا يُشترى مطلقاً!
و من تحدث عن هذا الأمر و أسهب في مضار ما يعرض يفاجئه سؤال عجيب ألا و هو قول الكثير من الناس : ما البديل إذن ؟
أخي المسلم : إن صدقت في السؤال و أحسنت النية فالبدائل كثيرة ، و تغيير مسار الحياة سهل ميسور ، و قد سبقك الكثير!
و إني أعجب للرجل العاقل و المرأة الفطنة كيف يجعلان حثالة القوم و سفلة المجتمع من الحاقدين و الصليبيين و المنافقين و المهرجين يوجهون فكرهما و يربون أولادهما و يغرسون فيهما ما شاءوا من الرذيلة و سيء الخلق!
و لإعانة من أراد التخلص من الشاشة تقرباً إلى الله عز و جل و طاعةً و إمتثالاً لأمره ، أطرح له بدائل عدة لعل فيها ما يُغني عن هراء الممثلين و الممثلات و سخف الأغاني الماجنة و المسلسلات الساقطة ، و بث السموم و الأفكار المخالفة لدين الله عز و جل ، و من تلك البدائل :
(1) - تحقيق التقوى في النفس و الأبناء و عندها يأتي الفرج سعادةً للنفس و طمأنينةً في القلب ، فإن الله تعالى يقول : { و من يتقِ الله يجعل له مخرجاً } و يقول تعالى : { إنه من يتقِ و يصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } . و من أعظم أنواع الصبر ؛ الصبر على الطاعة و البعد عن الحرام . و أذكر هنا أن امرأة صالحة كانت تلغي كثيراً من ارتباطاتها و زياراتها لبعض من حولها خوفاً على أبنائها من متابعه المسلسلات و الشغف بالتمثيليات فأكرمها الله عز و جل بأن جعل أبناءها بررة حافظين لكتاب الله عز و جل قرت بهم أعين و الديهم . « و من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه »
(2) - الحرص على العبادة و خاصة الصلاة في أوقاتها و الإكثار من نوافل الطاعات من صلاة و صيام و عمرة و صدقة و قراءة للقرآن . و نرى أن من يحس بالفراغ و الوحشة إنما هو ذلك الذي ابتعد عن النوافل و فرَّط في الطاعات ، و الكثير من العباد ينظر إلى الوقت و قصره و سرعة انقضائه لأنه استثمره خير استثمار.
(3) - تحري أوقات الإجابة و التضرع إلى الله عز و جل ، فإن الشاشات و ما يعرض فيها و التعلق بذلك بلاء و شقاء يرفعه الله عز و جل بالدعاء و المجاهدة و الصبر.
(4) - معرفة فتاوى العلماء في حكم هذه الشاشات و ما يعرض فيها و غرس البعد عن الحرام في قلوب الصغار و تربيتهم على طاعة الله عز و جل و البعد عن معصيته . خاصة أن الأمر تجاوز مجرد الشهوات إلى إثارة الشبهات حول مُسَلَّمات عقدية نؤمن بها و هي من أساس دين الإسلام.
(5) - قراءة ما يعرض عن الشاشات و خطر ما فيها و هذا يسهل أمر الصبر و المصابرة ، فإن في معرفة الأضرار الدينية و الطبية و النفسية سلوى لمن أراد الابتعاد و سعى إلى النجاة ، و أنصح بقراءة كتاب ( بصمات على ولدي ) لطيبة اليحيى ، فقد أوردت بالأرقام و الإحصاءات ما يجعل المسلم يبتعد عن هذه الشاشات . كما يوجد في المكتبات كتب متميزة خاصة بتربية الصغار تربية إسلامية.
(6) - الاستفادة من الأوقات للقيام بالواجبات الاجتماعية من بر الوالدين و صلة الأرحام و تفقد الأرامل والمساكين و إعانة أصحاب الحوائج.
(7) - الاشتغال بطلب العلم و حث أهل البيت على زيادة معلوماتهم الشرعية في ظل تيسر الأمر بوجود أشرطة العلماء السمعية . فيستطيع رب المنزل أن يرتب له و لأسرته درساً يومياً أو أسبوعياً.
(8) - ربط أهل البيت و الأطفال بسيرة الرسول و دعوته و صبره و جهاده و قراءة دقائق حياته فإن في ذلك أثراً على تربية النفوس و تهذيبها و ربطها بمعالي الأمور.
(9) - وضع دروس يومية منتظمة بجدول ثابت لحفظ آيات من القرآن الكريم و في هذا أثر عظيم جداً ، و لو رتب أحدنا حفظ بعض الآيات كل يوم لختم القرآن في سنوات قليلة و في ذلك خيرا الدنيا و الآخرة . و بعض الناس قارب عمره الأربعين سنة و لم يحفظ خمسة أجزاء من كتاب الله عز و جل ؟!
(10) - الاهتمام بإيجاد مكتبة أسرية متنوعة تحوي مختلف العلوم و تكون في متناول الجميع ، فإن في ذلك تنمية للمواهب و المدارك عن طريق القراءة حتى يصبح الكتاب - بعد حين – رفيقاً لا يمله أهل المنزل.
(11) - الاستفادة من برامج الحاسوب الآلي المتوفرة بكثرة بما في ذلك المسابقات و برامج اختبار الذكاء و غيرها.
(12) - معرفة نعمة الله على الإنسان باستثمار الوقت في عمل صالح فإن تلك نعمة عظيمة . قال ابن القيم : و بالجملة ، فالعبد إذا أعرض عن الله و اشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجب عدم إضاعتها يوم يقول : { يا ليتني قدمت لحياتي }، و استشعار قيمة الوقت يدفع إلى الحرص و المحافظة عليه و إنفاقه فيما ينفع .
و الرجل الفطن يلحظ ضياع كثير من الطاعات و القربات و فواتها عليه بسبب جلوسه أمام الشاشة و ما تضييع الصلوات و خاصة صلاة الفجر إلا دليل على ذلك ، كما أن في ضياع صلة الرحم و الكسل عن القيام بالواجبات الأسرية دليلا آخر . و في ضياع الوقت بهذه الصورة مدعاة إلى التوقف و التفكر و المحاسبة!
(13) - القيام بالنزهات البرية للأماكن الخلوية البعيدة عن أعين الناس و التبسط مع الزوجة و الأبناء و إشباع رغباتهم في اللعب و الجري و صعود الجبال و اللعب بالرمال . و هذه الرحلات من أعظم وسائل ربط الأب بأسرته و هي خير من الذهاب بهم لأماكن اللهو التي تفشو فيها بعض المنكرات و لا يستطيع الأب أن يجلس مع أسرته و أبنائه بحرية تامة.
(14) - وضع برنامج رياضي للأب والأم و الأبناء بمعدل يومي عشر دقائق مثلا حتى و إن اقتصر على التمارين الخفيفة.
(15) - زيارة الصالحين و الأخيار و الاستفادة من تجاربهم ، و الاستئناس بأحاديثهم ، و ربط الناشئة بهم ليكونوا القدوة بدلاً من الممثلين و المهرجين.
(16) - إشغال الفتيات بأعمال المنزل و تدريبهن على القيام بالواجبات المنزلية و تعويدهن على تحمل مسئولية البيت و تربية الأطفال و القيام بشئونهم.
(17) - وضع جدول زمني- شهري مثلا - لحضور بعض محاضرات العلماء في المساجد.
(18) - مشاركة الجهات الخيرية و المؤسسات الإغاثية بالعمل و الجهد و المساهمة بالوقت في تخفيف هموم المسلمين و رفع معاناتهم.
(19) - جعل يوم في الأسبوع يوماً مفتوحاً في المنزل لإلقاء الكلمات المفيدة و بث الفوائد بين الجميع و طرح الأفكار و رؤية إنتاج المنتجين من الأبناء و الصغار.
(20) - جعل قائمة بالأنشطة و الدرجات و التقديرات للأبناء و تحسب نقطة لكل عمل جيد ، و أخرى لكل جهد مميز و هكذا في نهاية الأسبوع توضع الجوائز لصاحب أعلى النقاط . بما في ذلك الانضباط أيام الأسبوع و المذاكرة و غيرها.
(21) - تسجيل الأولاد في حلق تحفيظ القرآن الكريم في المساجد ، و الأم و بناتها في دور الذكر لتحفيظ القرآن الكريم و إظهار الفرح بذلك و تشجيعهم على المراجعة مع بعضهم البعض و ذكر ما حفطوا كل يوم . و في هذا ربط لهم مع كتاب الله عز و جل.
(22) - جعل أيام معينة للأسرة يجتمعون فيها و يكون الحديث مفتوحاً ، و يركز على قصص التوبة و مآسي المسلمين و قصص من أسلموا حديثا و ذكر بعض الطرائف و النكت المحمودة.
(23) - التأمل الدقيق في بيوت كثير من الأخيار التي تخلو من الشاشات ، و كيف هو بفضل الله صلاح أبنائها و استمرار أهلها و حسن تربيتهم على التقوى و الصلاح فإن ذلك يدفع الرجل إلى الحذو حذوهم و يدفع بالأم إلى السير على طريقهم.
(24) - الإكثار من شكر و حمد الله عز وجل على أن أبدل المعصية بالطاعة و السيئات بالحسنات و الفرح بذلك فإن في ذلك ثباتاً على الأمر و إشاعة لتحول كبير في الأسرة.
(25) - القيام بأعمال دعوية أسرية مثل مراسلة هواة المراسلة و دعوتهم إلى الالتزام بهذا الدين و إرسال الكتب إليهم ، أو كتابة رسائل توجيه و نصيحة للطلاب و الطالبات و غيرها ، كل لبني جنسه.
(26) - اختيار أسر من الأخيار و زيارتهم و معرفة كيفية استفادتهم من أوقاتهم و كذلك سؤالهم كيف يعيشون سعداء بدون شاشة!
(27) - كثير من الناس لا يعرفون خلجات بناتهم و لا هوايات أبنائهم و لا هموم زوجتهم لأن وقت الأسرة مليء بالاجتماع على مشاهدة الشاشة فحسب ، و بدون الشاشة يكون الحديث مشتركاً و التقارب أكثر بإيراد القصص و الطرف و تبادل الأحاديث و الآراء.
(28) - الاهتمام بهوايات الأبناء و توجيهها نحو خدمة الإسلام و المسلمين و تشجيعهم علي المفيد منها.
(29) - إعداد البحوث علامة على مقدرة الشخص و تمكنه العلمي . و لكل عمر من الأعمار مستوى معين من البحوث و هذا يجعل الأسرة تعيش جواً علمياً إذا أرادت ذلك و سعت إليه.
(30) - كثير من الناس يعتذر بوجود الشاشة لرغبته في معرفة أحداث العالم و أخبار الكون ! و مع حرصه هذا فإنه غافل عن أخبار الآخرة و أحداث يوم الحسرة و الندامة و أحوال البرزخ و أهوال البعث و النشور و الصراط و غيرها ! و له كفاية بالإذاعة و بعض الصحف لمتابعة الأخبار و الأحداث!
(31) - لو طلب منك شخص أو جهة أن تضع في صالة منزلك خمسة أفراد ما بين رجل وسيم و امرأة فاتنة منهم الفاجر و الفاسق و منهم المهرج و منهم المُنَصِّر ، و شرطت عليهم أن لا يتحدثوا و لا يجتمعوا بأبنائك و زوجتك إلا بحضورك ! فهل يا ترى تخرج مطمئن الفؤاد إلى هؤلاء و هم في عقر دارك !! إن كان الأمر كذلك و بقية إيمان في قلبك فأخرجهم حتى و لو لم يكن هنالك بديل .
أخي المسلم ، أختي المسلمة : هناك أمور كثيرة لا يكفي لها الوقت لو ذكرت ، إنما الهدف ذكر طرف منها للتخلص من الشرور و دفعها بين يدي المسلم . و في طاعة الله عز وجل و تقواه خير معين ، و هذا البيت الصغير هو مملكتك التي تستطيع أن تجعلها جنة وارفة الظلال بالطاعة و العبادة و حسن الخلق و طيب المعشر.
و كثير جعل هذا المسكن و القرب جحيماً بسوء التربية و حلول المعصية و فساد الطباع يخربون بيوتهم بأيديهم . و كما أن للطاعة أثراً فإن للمعصية شؤماًً.
و يا أيها الأب و يا أيتها الأم : المسئولية عظيمة و الحساب شديد و الأمانة بين أيديكم ، فإياكم و ضياع الأولاد و إهمالهم فإنكم مسئولون و محاسبون عنهم غداً . يقول الله جل و علا : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس و الحجارة } .
و أذكركم بقول الرسول صلى الله عليه و سلم : « كلكم راعٍ ، و كلكم مسئول عن رعيته ، فالإمام راعٍ و هو مسئول عن رعيته ، و الرجل راعٍ في أهله و هو مسئول عن رعيته » متفق عليه.
و أجزم أن كثيراً من الآباء لو علم أن الشاشات تسبب مرضاً معيناً لمن يراها و لو لدقائق لما بقي في البيوت شاشات إطلاقاً ، و لكن لأن هذا مرض عضوي اهتم الآباء به أما مرض القلوب و الشهوات فالأمر مختلف . و شتان ما بين زماننا و أهله و صدر الإسلام و أهله . فلما نزلت آية تحريم الخمر ما قال الصحابة : لنا سنوات ، و لدينا منها مخزون كبير أو ما هو البديل إذن ! بل سالت الشعاب بالخمر المُراق طاعةً و امتثالاً . و لما نزلت آية الحجاب خرج نساء المسلمين وهن كالغربان متشحات بالسواد لا يُرى منهن شيئاً . { و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم و من يعصِ الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا } .
و لأهل الإسلام : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم }
قال ابن كثير : ( أي عن أمر رسول الله و هو سبيله و منهاجه و طريقته و سنته و شريعته ) ، ثم قال رحمه الله في قوله تعالى : { تصيبهم فتنة } ( أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة ).
أقر الله الأعين بصلاح الأولاد و ضاعف الأجر و المثوبة للوالدين على حسن التربية و التوجيه لهم ، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق