الأحد، 6 أكتوبر 2013

لهو الحديث


قال اللَّه تعالى : ] وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [ [ لقمان : 6 ، 7 ] .
 
جاء في كتاب (( إغاثة اللهفان ))([1]) لابن القيم رحمه اللَّه ما مختصره :
قال ابن القيم رحمه اللَّه : ومن مكايد عدو اللَّه ( إبليس ) ومصايده ، التي كاد بها من قل نصيـبه من العلم والعقل والدين ، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين : سماع المكاء والتصدية([2]) والغناء بالآلات المحرمة ، الذي يصدُّ القلوب عن القرآن ، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان . فهو قرآن الشيطان ، والحجاب الكثيف عن الرحمن ، وهو رقية اللواط والزنى ، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى ، كاد به الشيطان النفوس المبطلة ، وحسنه لها مكرًا منه وغرورًا ، وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه فقبلت وحيه واتخذت لأجله القرآن مهجورًا .
 
قال الإمام أبو بكر الطرطوشي في خطبة كتابه ، في تحريم السماع : الحمد لله رب العالمين ...
 
1- أما مالك : فإنه نهى عن الغناء ، عن استماعه ، وقال : إذا اشترى جارية فوجدها مغنية ! كان لها أن يردها بالعيـب .
وسئل مالك رحمه اللَّه عمَّا يرخص فيه أهل المدينة من الغناء ؟ فقال : إنما يفعله عندنا الفساق .
 
2- قال : وأما أبو حنيفة : فإنه يكره الغناء ، ويجعله من الذنوب .
وكذلك مذهب أهل الكوفة : سفيان ، وحماد ، وإبراهيم ، والشعبـي وغيرهم لا اختلاف بـينهم في ذلك ، ولا نعلم خلافًا أيضًا بـين أهل البصرة في المنع منه .
قلت : مذهب أبـي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب ، وقوله فيه أغلظ الأقوال ، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها ، كالمزمار ، والدف ، حتى الضرب بالقضيـب وصرحوا بأنه معصية ، يوجب الفسق ، وترد به الشهادة ، وأبلغ من ذلك أنهم قالوا : إن السماع فسق ، والتلذذ به كفر ، هذا لفظهم ورووا حديثًا لا يصح رفعه .
قالوا : ويجب عليه أن يجتهد في ألا يسمعه إذا مر به ، أو كان في جواره .
وقال أبو يوسف : في دار يسمع منها صوت المعازف والملاهي : أدخل عليهم بغير إذنهم ، لأن النهي عن المنكر فرض ، فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض .
قالوا : ويتقدم إليه الإمام إذا سمع ذلك من داره ، فإن أصرَّ حبسه أو ضربه سياطًا ، وإن شاء أزعجه عن داره([3]) .
 
3- وأما الشافعي : فقال في كتاب (( أدب القضاء )) : إن الغناء لهو مكروه ، يشبه الباطل والمحال ، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته .
وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه ، وأنكروا على من نسب إليه حله ، كالقاضي أبـي الطيـب الطبري ، والشيخ أبـي إسحاق والصباغ .
قال الشيخ أبو إسحاق في (( التنبيه )) : ولا تصح - يعني الإجارة([4]) - على منفعة محرمة ، كالغناء والزَّمر ، وحمل الخمر ، ولم يذكر فيه خلافًا .
وقال في (( المهذب )) : ولا يجوز على المنافع المحرمة ، لأنه محرم ، فلا يجوز أخذ العوض عنه كالميتة والدم .
فقد تضمن كلام الشيخ أمورًا :
أحدها : أن منفعة الغناء بمجرده محرمة .
الثاني : أن الاستئجار عليها باطل .
الثالث : أن أكل المال به أكل مال بالباطل ، بمنزلة أكله عوضًا عن الميتة والدم .
الرابع : ألا يجوز للرجل بذل ماله للمغني ، ويحرم عليه ذلك ، فإنه بذل مال في مقابلة محرم ، وإن بذله في ذلك كبذله في مقابلة الدم والميتة .
الخامس : أن الزَّمر حرام ، وإذا كان الزمر - الذي هو أخف آلات اللهو - حرامًا فكيف بما هو أشد منه ؟ كالعود ، والطنبور ، واليراع . ولا ينبغي لمن شم رائحة العلم أن يتوقف في تحريم ذلك ، فأقل ما فيه : أنه شعار الفساق وشاربـي الخمور .
وكذلك قال أبو زكريا النووي في روضته :
القسم الثاني : أن يغني بـبعض آلات الغناء ، بما هو من شعار شاربـي الخمر ، وهو مطرب كالطنبور([5])  والعود ، والصنج([6]) وسائر المعازف ، والأوتار . يحرم استعماله واستماعه . قال : وفي اليراع وجهان : صحح البغوي التحريم .
ثم ذكر عن الغزالي الجواز ، قال : والصحيح تحريم اليراع وهو الشَّبَّابة .
وقد صنف أبو القاسم الدولعي كتابًا في تحريم اليراع .
 
وقد حكى أبو عمرو بن الصلاح الإجماع على تحريم السماع ، الذي جمع الدف والشبابة ، والغناء ، فقال في (( فتاويه )) :
وأما إباحة هذا السماع وتحليله ، فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت ، فاستماع ذلك حرام ، عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين . ولم يثبت عن أحد - ممن يعتد بقوله في الإجماع والاختلاف - أنه أباح هذا السماع ، والخلاف المنقول عن بعض أصحاب الشافعي إنما نقل في الشبابة منفردة ، والدف منفردًا ، فمن لا يحصِّل ، ولا يتأمل ، ربما اعتقد خلافًا بـين الشافعيـين في هذا السماع الجامع هذه الملاهي ، وذلك وهم بـيِّن من الصائر إليه تنادي عليه أدلة الشرع والعقل ، مع أنه ليس كل خلاف يُستروح إليه ، ويعتمد عليه ، ومن تتبع ما اختلف فيه العلماء ، وأخذ بالرخص من أقاويلهم ، تزندق أو كاد . قال : وقولهم في السماع المذكور : إنه من القربات والطاعات قول مخالف لإجماع المسلمين ، ومن خالف إجماعهم فعليه ما في قوله تعالى : ] وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [ [النساء : 115].
وأطال الكلام في الرد على هاتين الطائفتين اللتين هما بلاء الإسلام منهما ، المحللون لما حرم اللَّه ، والمتقربون إلى اللَّه بما يـباعدهم عنه .
والشافعي وقدماء أصحابه ، والعارفون بمذهبه : من أغلظ الناس قولاً في ذلك .
وقد تواتر عن الشافعي أنه قال : خلفت بـبغداد شيئًا أحدثته الزنادقة ، يسمونه التغبـير - يعني الضرب بالقضيـب على المخدة من الجلود حتى يطير الغبار ، وكان الصوفية يفعلون ذلك مع إنشادهم الأشعار الملحنة - ، يصدون به الناس عن القرآن .
فإذا كان هذا قوله في التغبير وتعليله : أنه يصد عن القرآن ، وهو شعر يزهد في الدنيا ، يغني به مغن ، فيضرب بعض الحاضرين بقضيـب على نطع - يعني بساط من الأديم أي الجلد - أو مخدة على توقيع غناه ، فليت شعري ما يقول في سماع التغبـير عنده كتفلة في بحر ، قد اشتمل على كل مفسدة ، وجمع كل محرم ، فاللَّه بـين دينه وبـين كل متعلم مفتون ، وعابد جاهل .
قال سفيان بن عيـينة : كان يقال : احذروا فتنة العالم الفاجر ، والعابد الجاهل ، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون .
ومن تأمل الفساد الداخل على الأمة وجده من هذين المفتونين .
 
فصــــــل 
4- وأما مذهب الإمام أحمد ، فقال عبد اللَّه ابنه : سـألت أبـي عن الغناء ؟ فقال : الغناء ينبت النفاق في القلب ولا يعجبني . ثم ذكر قول مالك : إنما يفعله عندنا الفساق .
قال أحمد : وقال سليمان التيمي : لو أخذت برخصة كل عالم ، أو زلة كل عالم ، اجتمع فيك الشر كله .
ونص على كسر آلات اللهو كالطنبور وغيره ، إذا رآها مكشوفة ، وأمكنه كسرها . وعنه في كسرها إذا كانت مغطاة تحت ثيابه وعلم بها روايتان منصوصتان ، ونص في أيتام ورثوا جارية مغنية ، وأرادوا بـيعها ، فقال : لا تباع إلا على أنها ساذجة ، فقالوا : إذا بـيعت مغنية ساوت عشرين ألفًا أو نحوها ، وإذا بـيعت ساذجة لا تساوي ألفين ، فقال : لا تباع إلا على أنها ساذجة .
ولو كانت منفعة الغناء مباحة لما فوت هذا المال على الأيتام .
فصل : وأما سماعه من المرأة الأجنبـية ، أو الأمرد : فمن أعظم المحرمات وأشدها فسادًا للدين :
قال الشافعي رحمه اللَّه : وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته ، وأغلظ القول فيه ، وقال : هو دياثة ، فمن فعل ذلك كان دَيُّوثًا .
قال القاضي أبو الطيـب : وإنما جعل صاحبها سفيهًا ؛ لأنه دعا الناس إلى الباطل ، ومن دعا الناس إلى الباطل كان سفيهًا فاسقًا .
قال : وكان الشافعي يكره التغبـير ، وهو الطقطقة بالقضيـب ، ويقول : وضعته الزنادقة ليشغلوا به عن القرآن .
قال : وأما العود والطنبور وسائر الملاهي فحرام ومستمعه فاسق .
أسماء الغناء في القرآن والسنة :
هذا السماع الشيطاني المضاد للسماع الرحماني . له في الشرع بضعة عشر اسمًا : اللهو ، واللغو، والباطل، والزور، والمكاء ، والتصدية، ورقية الزنى ، وقرآن الشيطان ، ومنبت النفاق ، والصوت الأحمق ، والصوت الفاجر ، وصوت الشيطان ، ومزمور الشيطان ، والسمود .
* * *
فصــــــل
فالاسم الأول : اللهو . قال تعالى : ] وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ @ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [ [ لقمان : 6 ، 7 ] .
قال الواحدي وغيره : أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث : الغناء .
وعن ابن عباس في قوله تعالى : ] وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [ قال : هو الرجل يشتري الجارية تغنيه ليلاً ونهارًا .
قال الواحدي : وهذه الآية على هذا التفسير تحرم الغناء ، ثم ذكر كلام الشافعي في رد الشهادة بإعلان الغناء .
قال : وأما غناء القينات ( يعني : الإماء والمغنيات ) فذلك أشد ما في الباب ، وذلك لكثرة الوعيد الوارد فيه وهو ما روي أن النبـي (صلي الله عليه وسلم)  قال : (( من استمع إلى قينة صب في أذنيه الآنك يوم القيامة ))([7]) الآنك : الرصاص المذاب .
إذا عرفت هذا ، فأهل الغناء ومستمعوه لهم نصيـب من هذا الذم ، بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن ، وإن لم ينالوا جميعه ، فإن الآيات ذمت من استبدل لهو الحديث بالقرآن ليضل عن سبـيل اللَّه بغير علم ويتخذها هزوا ، وإذا تتلى عليه آيات القرآن ولى مستكبرًا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرًا وهو الثقل والصمم ، وإذا علم من آياتنا شيئًا استهزأ بها ، فمجموع هذا لا يقع إلا من أعظم الناس كفرًا ، وإن وقع بعضه للمغنين ومستمعيهم ، فلهم حصة ونصيـب من هذا الذم .
يوضحه أنك لا تجد أحدًا عُنِيَ بالغناء وسماع آلاته ، إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى ، علمًا وعملاً ، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء ، بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عدل عن هذا إلى ذلك ، وثقل عليه سماع القرآن ، وربما حمله الحال على أن يُسكت القارئ ويستطيل قراءته ، ويستزيد المغني ويستقصر نوبته ، وأقل ما في هذا : أن يناله نصيـب وافر من هذا الذم ، إن لم يحظ به جميعه .
والكلام في هذا مع من في قلبه بعض حياة يُحس بها ، فأما من مات قلبه وعظمت فتنته ، فقد سد على نفسه طريق النصيحة ] وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [ [ المائدة : 41 ] .
* * *
فصــــــل
الاسم الثاني والثالث : الزور ، اللغو . قال تعالى : ] وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [ [ الفرقان : 72 ] .
قال محمد ابن الحنفية : الزور هاهنا : الغناء . وقاله ليث عن مجاهد . وقال الكلبي : لا يحضرون مجالس الباطل .
واللغو في اللغة : كل ما يلغى ويطرح ، والمعنى : لا يحضرون مجالس الباطل ، وإذا مروا بكل ما يُلغى من قول وعمل ، أكرموا أنفسهم أن يقفوا عليه ، أو يميلوا إليه ، ويدخل في هذا : أعياد المشركين ، كما فسرها به السلف ، والغناء وأنواع الباطل كلها .
قال الزجاج : لا يجالسون أهل المعاصي ، ولا يمالئونهم - أي يساعدونهم ويعينونهم - عليها ومروا مر الكرام الذين لا يرضون باللغو ، لأنهم يكرمون أنفسهم عن الدخول فيه والاختلاط بأهله .
وقد روى أن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه مر بلهو فأعرض عنه ، فقال رسول اللَّه r : (( إن أصبح ابن مسعود لكريمًا ))([8]) .
وقد أثنى اللَّه سبحانه على من أعرض عن اللغو إذا سمعه بقوله : ] وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ [ [ القصص : 55 ] .
وهذه الآية وإن كان سبـب نزولها خاصًا ، فمعناها عام ، متناول لكل من سمع لغوًا فأعرض عنه ، وقال بلسانه أو بقلبه لأصحابه : ] لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ [ وتأمل كيف قال سبحانه : ] لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ [ ولم يقل : بالزور ، لأن ] يَشْهَدُونَ [ بمعنى : يحضرون ، فمدحهم على ترك حضور مجالس الزور فكيف بالتكلم به وفعله ؟ والغناء من أعظم الزور ، والزور : يقال على الكلام الباطل وعلى العمل الباطل ، وعلى العين نفسها .
* * *
فصــل
الاسم الرابع : الباطل . والباطل : ضد الحق ، يراد به المعدوم الذي لا وجود له ، والموجود الذي مضرة وجوده أكثر من منفعته ، فمن الأول : قول الموحد : كل إله سوى اللَّه باطل ، ومن الثاني قوله : السحر باطل ، والكفر باطل ، قال تعالى : ] وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [ [ الإسراء : 81 ] .
فالباطل إما معدوم لا وجود له ، وإما موجود لا نفع له . فالكفر والفسوق والعصيان ، والسحر والغناء واستماع الملاهي ، كلها من النوع الثاني .
وقال رجل لابن عباس رضي اللَّه عنهما : ما تقول في الغناء أحلال هو أم حرام ؟ فقال : لا أقول حرامًا إلا ما في كتاب اللَّه ، فقال : أفحلال هو ؟ فقال : ولا أقول ذلك ، ثم قال له : أرأيت الحق والباطل ، إذا جاءا يوم القيامة ، فأين يكون الغناء ؟ فقال الرجل : يكون مع الباطل ، فقال له ابن عباس : اذهب ، فقد أفتيت نفسك .
فهذا جواب ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن غناء الأعراب الذي ليس فيه مدح الخمر والزنى واللواط والتشبـيـب - يعني إظهار المفاتن ووصف الجمال - بالأجنبـيات ، وأصوات المعازف ، والآلات المطربات . فإن غناء القوم لم يكن فيه شيء من ذلك ، ولو شاهدوا هذا الغناء لقالوا فيه أعظم قول ، فإن مضرته وفتنته فوق مضرة شرب الخمر بكثير وأعظم من فتنته .
* * *
فصــــــل
الخامس : وأما اسم المكاء والتصدية . فقال تعالى عن الكفار : ] وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً [ [ الأنفال : 35 ] .
قال ابن عباس وابن عمر وعطية ومجاهد والضحاك والحسن وقتادة : المكاء : الصفير ، والتصدية : التصفيق .
قال ابن عباس : كانت قريش يطوفون بالبـيت عراة ، ويصفرون ويصفقون .
والمقصود : أن المصفقين والمصفرين في يراع أو مزمار ونحوه فيهم شبه من هؤلاء ، ولو أنه مجرد الشبه الظاهر . فلهم قسط من الذم ، بحسب تشبههم بهم ، وإن لم يتشبهوا بهم في جميع مكائهم وتصديتهم ، واللَّه سبحانه لم يشرع التصفيق للرجال وقت الحاجة إليه في الصلاة إذا نابهم أمر ، بل أمروا بالعدول عنه إلى التسبـيح ؛ لئلا يتشبهوا بالنساء ، فكيف إذا فعلوه لا لحاجة ، وقرنوا به أنواعًا من المعاصي قولاً وفعلاً ؟
* * *
فصــــــل
السادس : وأما تسميته رقية الزنى . فهو موافق لمسماه ، ولفظ مطابق لمعناه ، فليس في رقية الزنى أنجع منه ، وهذه التسمية معروفة عن الفضيل بن عياض .
قال ابن أبي الدنيا : أخبرني محمد بن الفضل الأزدي قال : نزل الحُطيئة برجل من العرب ، ومعه ابنته مُليكة ، فلما جنه الليل سمع غناء ، فقال لصاحب المنزل : كف هذا عني ، فقال : وما تكره من ذلك ؟ فقال : إن الغناء رائد من رادة الفجور ولا أحب أن تسمعه هذه - يعني ابنته - فإن كففته وإلا خرجت عنك .
ولا ريب أن كل غيور يجنب أهله سماع الغناء ، كما يجنبهن أسباب الريـب ومن طرق أهله إلى سماع رقية الزنى فهو أعلم بالإثم الذي يستحقه .
ومن الأمر المعلوم عند القوم : أن المرأة إذا استصعبت على الرجل ، اجتهد أن يسمعها صوت الغناء ، فحينئذ تعطي الليان .
وهذا لأن المرأة سريعة الانفعال للأصوات جدًّا ، فإذا كان الصوت بالغناء ، صار انفعالها من وجهين : من جهة الصوت ، ومن جهة معناه ، ولهذا قال النبـي  (صلي الله عليه وسلم)   لأنجشة حاديه([9]) : (( يا أنجشة ، رويدك ، رفقًا بالقوارير ))([10]) يعني : النساء .
فأما إذا اجتمع إلى هذه الرقية ، والشبابة والرقص بالتخنث والتكسر ، فلو حبلت المرأة من غناء لحبلت من هذا الغناء .
* * *
فصــــــل
 السابع : وأما تسميته منبت النفاق . فعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال : الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع .
خواص الغناء : اعلم أن للغناء خواصًا لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق ، ونباته فيه كنبات الزرع بالماء .
فمن خواصه : أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره ، والعمل بما فيه ، فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبدًا ، لما بـينهما من التضاد ، فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى ، ويأمر بالعفة ، ومجانبة شهوات النفس ، وأسباب الغيِّ ، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان ، والغناء يأمر بضد ذلك كله ، ويحسنه ، ويهيج النفوس إلى شهوات الغي ، فيثير كامنها ، ويزعج قاطنها ، ويحركها إلى كل قبـيح ، فبـينا ترى الرجل وعليه سمة الوقار وبهاء العقل ، وبهجة الإيمان ، ووقار الإسلام ، وحلاوة القرآن ، فإذا سمع الغناء ومال إليه نقص عقله ، وقل حياؤه ، وذهبت مروءته ، وفارقه بهاؤه ، وتخلى عنه وقاره ، وفرح به شيطانه ، وشكا إلى اللَّه تعالى إيمانه ، وثقل عليه قرآنه ، وقال : يا رب لا تجمع بـيني وبـين قرآن عدوك في صدر واحد ، فاستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه ، وأبدى من سره ما كان يكتمه ، وانتقل من الوقار والسكينة إلى كثرة الكلام والكذب ، والزهزهة([11]) ، والفرقعة بالأصابع .
فيميل برأسه ، ويهز منكبـيه ، ويضرب الأرض برجليه ، ويدق على أم رأسه بـيديه ، ويثب وثبات الذباب ، ويخور خوران الوجد ولا كخوار الثيران ، وتارة يتأوه تأوه الحزين ، وتارة يزعق زعقات المجانين .
وقال بعض العارفين : السماع يورث النفاق في قوم ، والعناد في قوم ، والكذب في قوم ، والفجور في قوم ، والرعونة في قوم ، وأكثر ما يورث عشق الصور ، واستحسان الفواحش ، وإدمانه يثقل القرآن على القلب ، ويكرّه إلى سماعه بالخاصية وإن لم يكن هذا نفاقًا فما للنفاق حقيقة .
وسر المسألة : أنه قرآن الشيطان - كما سيأتي - فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب أبدًا .
وأيضًا فإن أساس النفاق : أن يخالف الظاهر الباطن ، وصاحب الغناء بـين أمرين ، إما أن يتهتك - أي لم يـبال أن يهتك سره حين يرتكب خطأ . فيكون فاجرًا ، أو يظهر النسك فيكون منافقًا ، فإنه يظهر الرغبة في اللَّه والدار الآخرة وقلبه يغلي بالشهوات ، ومحبة ما يكرهه اللَّه ورسوله من أصوات المعازف وآلات اللهو ، وما يدعو إليه الغناء ويهيجه ، فقلبه بذلك معمور ، وهو من محبة اللَّه ورسوله وكراهة ما يكرهه قفر - أي : خال - وهذا محض النفاق .
وأيضًا فإن الإيمان قول وعمل ، قول بالحق ، وعمل بالطاعة ، وهذا ينبت على الذكر ، وتلاوة القرآن ، والنفاق قول الباطل ، وعمل البغي ، وهذا ينبت على الغناء .
وأيضًا فمن علامات النفاق : قلة ذكر اللَّه ، والكسل عند القيام إلى الصلاة ، ونقر الصلاة ، وقل أن تجد مفتونًا بالغناء إلا وهذا وصفه .
وأيضًا فإن النفاق مؤسس على الكذب ، والغناء من أكذب الشعر ، فإنه يحسن القبـيح ويزينه ، ويأمر به ، ويقبح الحسن ويزهد فيه ، وذلك عين النفاق .
* * *
فصــــــل
الثامن : وأما تسميته قرآن الشيطان . فمأثور عن التابعين - وقد روي في حديث مرفوع - قال قتادة : (( لما أهبط إبليسُ قال : يا رب ، لعنتني فما عملي ؟ قال : السحر ، قال : فما قرآني ؟ قال : الشعر ، قال : فما كتابـي ؟ قال : الوشم([12]) ، قال : فما طعامي ؟ قال : كل ميتة ، وما لم يذكر اسم اللَّه عليه ، قال ، فما شرابـي ؟ قال : كل مسكر ، قال : فأين مسكني ؟ قال : الأسواق ، قال : فما صوتي ؟ قال : المزامير ، قال : فما مصايدي ؟ قال : النساء )) .
هذا ، والمعروف في هذه وقفه .
والمقصود : أن الغناء المحرم قرآن الشيطان .
ولما أراد عدو اللَّه أن يجمع عليه نفوس المبطلين قرنه بما يزينه من الألحان المطربة ، وآلات الملاهي والمعازف ، وأن يكون من امرأة جميلة أو صبـي جميل ؛ ليكون ذلك أدعى إلى قبول النفوس لقرآنه ، وتعوضها به عن القرآن المجيد .
* * *
فصــــــل
التاسع والعاشر : وأما تسميته بالصوت الأحمق والصوت الفاجر . فهي تسمية الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى .
فروى الترمذي من حديث ابن أبـي ليلى عن عطاء عن جابر رضي اللَّه عنه قال : خرج رسول اللَّه  (صلي الله عليه وسلم)   مع عبد الرحمن بن عوف إلى النخل ، فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه - أي يحتضر - فوضعه في حجره ، ففاضت عيناه ، فقال عبد الرحمن : أتبكي ، وأنت تنهى الناس ؟ قال : إني لم أنه عن البكاء ، وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوتٌ عند نغمة : لهو ولعب ومزامير شيطان ، وصوت عند مصيـبة : خمش وجوه - أي : لطم الوجوه وضربها - وشق جيوب - أي : القمصان - ورنة - أي : صياح - وهذا هو رحمة ، ومن لا يرحم لا يُرحم (( لولا أنه أمر حق ، ووعد صدق ، وأن آخرنا سيلحق أولنا ، لحزنا عليك حزنًا هو أشد من هذا ، وإنا بك لمحزونون ، تبكي العين ويحزن القلب ، و لا نقول ما يسخط الرب )) . قال الترمذي : هذا حديث حسن([13]) .
فانظر إلى هذا النهي المؤكد ، بتسميته صوت الغناء صوتًا أحمق ولم يقتصر على ذلك ، حتى وصفه بالفجور ، ولم يقتصر على ذلك حتى سماه من مزامير الشيطان ، وقد أقر النبـي  (صلي الله عليه وسلم)   أبا بكر الصديق على تسمية الغناء مزمور الشيطان في الحديث الصحيح ، كما سيأتي ، فإن لم يُستفد التحريم من هذا لم نستفده من نهي أبدًا .
* * *
فصــــــل
 الحادي عشر : وأما تسميته صوت الشيطان . فقد قال تعالى للشيطان وحزبه : ] اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا [ [ الإسراء : 63، 64].
قال ابن أبـي حاتم في (( تفسيره )) : عن ابن عباس ] وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ [ قال : كل داع إلى معصية .
ومن المعلوم أن الغناء من أعظم الدواعي إلى المعصية ولهذا فسر صوت الشيطان به .
قال ابن أبـي حاتم عن ليث : ] وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ [ قال : استزل منهم من استطعت . قال : وصوته : الغناء والباطل .
وبهذا الإسناد عن منصور عن مجاهد قال : صوته هو المزمار ، ثم روى بإسناده عن الحسن البصري قال : صوته هو الدف .
وهذه الإضافة إضافة تخصيص ، كما أن إضافة الخيل والرجل إليه كذلك ، فكل متكلم بغير طاعة اللَّه ، ومصوت بـيراع أو مزمار ، أو دف حرام ، أو طبل ، فذلك صوت الشيطان وكل ساع في معصية اللَّه على قدميه فهو من رجله ، وكل راكب في معصية اللَّه فهو من خيالته ، كذلك قال السلف ، كما ذكر ابن أبـي حاتم عن ابن عباس قال : رجله كل رجل مشت في معصية اللَّه .
* * *
فصــل
الثاني عشر : وأما تسميته مزمور الشيطان . ففي الصحيحين عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت : دخل عليَّ النبـي  (صلي الله عليه وسلم)   وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث([14]) ، فاضطجع على الفراش ، وحول وجهه ، ودخل أبو بكر رضي اللَّه عنه ، فانتهرني ، وقال : مزمار الشيطان عند النبـي  (صلي الله عليه وسلم)   ؟ فأقبل عليه رسول اللَّه  (صلي الله عليه وسلم)   ، فقال : (( دعهما )) فلما غفل غمزتهما ، فخرجتا . فلم ينكر رسول اللَّه  (صلي الله عليه وسلم)   على أبـي بكر تسمية الغناء مزمار الشيطان ، وأقرهما ، لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب ، وكان اليوم يوم عيد ، فتوسع حزب الشيطان في ذلك إلى صوت امرأة جميلة أجنبـية أو صبـي أمرد صوته فتنة ، وصورته فتنة ، يغني بما يدعو إلى الزنى والفجور ، وشرب الخمور ، مع آلات اللهو التي حرمها رسول اللَّه  (صلي الله عليه وسلم)   في عدة أحاديث - كما سيأتي - مع التصفيق والرقص ، وتلك الهيئة المنكرة التي لا يستحلها أحد من أهل الأديان ، فضلاً عن أهل العلم والإيمان ، ويحتجون بغناء جويريتين غير مكلفتين بنشيد الأعراب ونحوه ، في الشجاعة ونحوها ، في يوم عيد بغير شبابة ولا دف ولا رقص ولا تصفيق ، ويدعون المحكم الصريح لهذا المتشابه ، وهذا شأن كل مبطل .
نعم .. نحن لا نحرم ولا نكره مثل ما كان في بـيت رسول اللَّه  (صلي الله عليه وسلم)   على ذلك الوجه ، وإنما نحرم نحن وسائر أهل العلم والإيمان السماع المخالف لذلك ، وباللَّه التوفيق .
* * *
فصـــل
الثالث عشر : وأما تسميته بالسمود . فقد قال تعالى : ] أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ [ [ النجم : 59-61 ] . قال عكرمة عن ابن عباس : السمود : الغناء في لغة حمير . يقال : اسمدي لنا أي : غَنِّ لنا ، [ ثم ذكر رحمه اللَّه عدة تفسيرات أخرى للسمود ] .
فائدة :
قال بعض السلف : المعاصي بريد الكفر ، كما أن القبلة بريد الجماع ، والغناء بريد الزنى ، والنظر بريد العشق ، والمرض بريد الموت .
* * *
فصـــل
في بيان تحريم رسول اللَّه  (صلي الله عليه وسلم)   لآلات اللهو والمعازف ( الموسيقى )
وسياق الأحاديث في ذلك
عن عبد الرحمن بن غنم قال : حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري رضي اللَّه عنهما أنه سمع النبـي  (صلي الله عليه وسلم)   يقول : (( ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر - أي : الزنى - والحرير والخمر والمعازف )) . هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في (( صحيحه )) محتجًّا به .
وأخرج ابن أبـي الدنيا عن سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول اللَّه  (صلي الله عليه وسلم)   : (( يكون في أمتي خسف وقذف ومسخ ))([15]) . قيل : يا رسول اللَّه ، متى ؟ قال : (( إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمر )) . وفي (( المسند )) : عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه  (صلي الله عليه وسلم)   قال : (( إن اللَّه حرم الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر حرام ))([16]) والكوبة : الطبل . قاله سفيان([17]) ، وقيل : البربط([18]) ، والقنين هو الطنبور بالحبشية ، والتقنين : الضرب به ، قاله ابن الأعرابـي .
وقد تظاهرت الأخبار بوقوع المسخ في هذه الأمة ، وهو مقيد في أكثر الأحاديث بأصحاب الغناء ، وشاربـي الخمر ، وفي بعضها مطلق ، قال سالم بن أبـي الجعد : ليأتين على الناس زمان يجتمعون فيه على باب رجل ينتظرون أن يخرج إليهم ، فيطلبون إليه حاجة ، فيخرج إليهم وقد مسخ قردًا أو خنزيرًا ، وليمرن الرجل على الرجل في حانوته يـبـيع ، فيرجع إليه وقد مسخ قردًا أو خنزيرًا  )) .
وقال أبو هريرة رضي اللَّه عنه : لا تقوم الساعة حتى يمشي الرجلان إلى الأمر يعملانه فيمسخ أحدهما قردًا أو خنزيرًا ، فلا يمنع الذي نجا منهما ما فعل بصاحبه أن يمضي إلى شأنه ذلك حتي يقضي شهوته ، وحتى يمشي الرجلان إلى الأمر يعملانه ، فيخسف بأحدهما ، فلا يمنع الذي نجا منهما ما رأى بصاحبه أن يمشي لشأنه ذلك ، حتى يقضي شهوته منه .
فالظاهر مرتبط بالباطن أتم ارتباط ، فإذا استحكمت الصفات المذمومة في النفس قويت على قلب الصورة الظاهرة ، ولهذا خوف النبـي  (صلي الله عليه وسلم)   من سابق الإمام في الصلاة بأن يجعل اللَّه صورته صورة حمار لمشابهته للحمار في الباطن ، فإنه لم يستفد من مسابقة الإمام إلا فساد صلاته ، وبطلان أجره ، فإنه لا يسلم قبله ، فإنه شبـيه بالحمار في البلادة ، وعدم الفطنة .
إذا عرف هذا فأحق الناس بالمسخ هؤلاء الذين ذكروا في هذه الأحاديث ، فهم أسرع الناس مسخًا قردة وخنازير فمشابهتهم لهم في الباطن ، وعقوبات الرب تعالى - نعوذ باللَّه منها - جارية على وفق حكمته وعدله . انتهى كلام ابن القيم رحمه اللَّه ونفعنا اللَّه بعلمه ... آمين .
 
 
::خاتمــــــــــة ::
 
يا رب ، لو أدركت القلوب عظمتك ، لكان شهيقها القرآن ، وزفيرها الذكر ، و نبضها الدعاء.
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كيفية صلاة النبي

كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي فرض الصلاة على عباده وأمرهم بإقامتها وحسن أدائها وعلق النجاح والفلاح بالخشوع ...